الخميس , 18 أبريل 2024
إسماعيل -عليه السلام-

قصة إسماعيل -عليه السلام-

= 2280

 

عندما بلغ عمر النبي إبراهيم -عليه السلام- 86 سنة ولم يكن الله تعالى قد رزقه الولد فدعاه بأن يهب له ولدًا صالحًا، فاستجاب له دعاءه وبشّره بغلامٍ حليم، وقد كان إبراهيم -عليه السلام- متزوّجًا من السيّدة سارة ولم تُنجب له ولد، فوهبت له جاريةً لها مصريّة، وهي السيّدة هاجر، فتزوّجها النبي إبراهيم وأنجبت له إسماعيل -عليه السلام- وقد ولِد في أرض الشام، بجوار بيت المقدس في قرية تُدعى “حبرون” و ولكنّ السيّدة سارة لمّا رأت تعلّق قلب زوجها بابنه، تألمت لهذا وغارت، فطلبت منه أن يرحل بزوجته وابنه ويسكنهما في مكان بعيد عنها.

استجاب النبي إبراهيم لطلب زوجته سارة لأنّ الله تعالى أوحى له بذلك، وأوحى إليه أيضًا بالمكان الذي يجب أن يأخذ السيّدة هاجر وابنها إليه، فرحل بهم متجهًا إلى الجنوب حتّى وصل إلى وادٍ جاف وليس فيه زرعٌ أو ماشية أو ماء أو شجر، أي أنّه كان خاليًا من أي مظهر من مظاهر الحياة، فأنزل زوجته وابنه فيه وترك لهما قليلًا من الطعام والماء، وهمّ بالعودة، فصارت السيّدة هاجر تتعلّق به وتكرر النداء: أين تذهب وتتركنا يا إبراهيم، من سيطعمنا من سيسقينا ومن سيحمينا؟ وهو لا يُجيبها بشيء، ثمّ سألته أهو أمرٌ إلهي، فقال نعم، فقالت: إذن لا يضيعنا، وكان ذلك الوادي الذي تركهم فيه هو مكة المكرمة.

فانطلق إبراهيم عليه السلام ووقف عند الثنية بحيث يراهم ولا يرونه، فدعا الله تعالى بكلمات: “رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ” [إبراهيم:37].

أخذت السيدة هاجر تُرضع إسماعيل -عليه السلام- وتشرب من ماء السقاء حتى نفد، فعطشت وعطش ابنها، وأخذ يتلوى وهي تنظر إليه، فأخذت تمشي بين الصفا وتسعى في الوادي وتتجاوزه حتى تأتي مكان المروة، وفعلت هذا سبع مرات، قال تعالى في سورة البقرة: “إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)”، وإذ بها ترى موضع ماء زمزم، فأخذت منه بيدها وجعلت تغرف منه في سقائها وهو يفور فشربت حتى ارتوت وأرضعت إسماعيل.

لمّا صار في الوادي ماء أصبحت الطيور تنزل فيه لتشرب، وكانت القبيلة القريبة من تلك المنطقة تُسمّى قبيلة جُرهم، فلمّا كان بعضٌ منهم مارين في طريق كداء نزلوا في أسفل مكة، ولمّا رأووا الطير، ظنّوا وجود الماء وهم يعلمون أنّه ليس في الوادي ماء من قبل، فأرسل واحدًا منهم أو اثنين، فعادا وأكّدوا لهم وجود الماء، فذهبوا إليه ووجدوا أم إسماعيل وابنها، فاستأذنوها للسكن قريبًا منها، فسمحت لهم بذلك.

ولَما كَبِرَ إسماعِيلُ وَصَارَ يُرافِقُ أبَاهُ ويَمشي معه، رأَى ذَاتَ لَيلةٍ سَيِّدَنا إبراهيمَ عليه السلامُ في المنامِ أنه يَذبَحُ وَلَدَه إِسماعيلَ، قال تعالى إِخبارًا عن إبراهيم ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ (102)﴾ الآيةَ [سورة الصافات].

ورُؤْيا الأنبياءِ وَحْيٌ، فَأَخْبَرَ بِذَلِك وَلَدَه كمَا جاء في القرءان ﴿فَانظُرْ مَاذَا تَرَى (102)﴾ الآيةَ [سورة الصافات]، لم يَقْصِدْ إِبراهيمُ أنْ يُشَاوِرَ وَلَدَه في تَنْفِيذِ أَمْرِ اللهِ ولا كانَ مُتَرَدِّدًا إنما أَرادَ أَنْ يَعْرِفَ ما في نَفْسِ وَلَدِه، فجَاءَ جَوابُ إِسماعِيلَ ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)﴾ [سورة الصافات]، وأما قوله ﴿إِنْ شَاء اللَّهُ﴾ لأنَّه لا حَرَكةَ ولا سُكُونَ إلا بمشيئةِ اللهِ تَكُونُ.

فأَخَذَ إبراهيمُ ابْنَهُ إسماعِيلَ وابْتَعَد به حتى لا تَشْعُرَ الأُمُّ، وأَضْجَعَهُ علَى جَبِيْنِه، قال تعالى ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ [سورة الصافات]، فقَال إِسماعيلُ: يا أَبَتِ اشْدُدْ رِبَاطِي حتَى لا أَضْطَرِبَ واكْفُفْ عَنِّي ثَوْبَكَ حتَى لا يَتَلَطَّخَ مِن دَمِي فَتَراهُ أُمِّي فَتَحْزَنَ، وَأَسْرِعْ مَرَّ السِّكِّينِ علَى حَلْقِي لِيَكُونَ أَهْوَنَ لِلْمَوْتِ عَلَيَّ، فإِذا أَتَيْتَ أُمِّي فأَقْرِئ عَلَيْها السَّلامَ مِنِّي.

فأَقْبَلَ عليه إبراهيمُ يُقَبِّلُهُ وَيَبْكِي وَيَقُولُ: نِعْمَ العَوْنَ أَنْتَ يا بُنَيَّ علَى أَمْرِ اللهِ، فَأَمَرَّ السِكِّينَ عَلَى حَلْقِه فَلَم تَقْطَعْ، وقيل انْقَلَبَتْ.

فقَال له إسماعيلُ: ما لك؟، قال: انْقَلَبَتْ ،فقال له: اطْعَنْ بِها طَعْنًا، فَلَمَّا طَعَن لم تَقْطَعْ شَيئًا، وذَلِك؛ لأنَّ الله هو خالِقُ كلِّ شىءٍ وهو الذِي يَخْلُقُ القَطْعَ بالسِّكِّين.

وَنُودِيَ: يا إبراهيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُؤْيا، هذا فِدَاءُ ابْنِكَ، فَنَظَر إبراهيمُ فإذا جِبريلُ مَعَهُ كَبِشٌ مِن الجَنَّةِ، قال تعالى ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ أي أنَّ اللهَ تَعالى خَلَّصَ إِسماعيلَ مِن الذَبْحِ بِأَنْ جَعَلَ فِداءً له كَبِشًا أَقْرَنَ عَظِيْمَ الحَجْمِ والبَرَكَةِ.

شاهد أيضاً

المفتي: دار الإفتاء تستقبل 5000 فتوى طلاق شهريا يقع منها واحد في الألف

عدد المشاهدات = 5820 أعلن الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، أنه يأتي إلى دار الإفتاء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.