الخميس , 28 مارس 2024
الكاتب صابر الجنزوري وغلاف الرواية والروائية فاتن عرفة

قراءة فى رواية “غياهب الخداع” للدكتورة فاتن عرفة

= 5272

بقلم الكاتب: صابر الجنزوري

مدخل:
الخيانة طبع وليست ظروفا ؟
لا يوجد فى الدنيا أحقر من الخيانة والخائنين.
الخيانة أحقر وأقذر طبع موجود فى البشر.
كل من خان سهلت عليه الخيانة مرات وكل مرة سيوهم نفسه بأسباب وأعذار هو رتبها للحظة تكشف فيها خيانته ليضلل بها من اكتشف خيانته.
الخائنون مبدعون فى تأليف القصص والروايات التى تضلل من حولهم بل وتجعل من يسمعون رواياتهم يتعاطفون معهم حتى إنهم يشعرون بلذة ما يفعلونه دون تأنيب ضمير .
الاحتفاظ بشخص خائن كالاحتفاظ بجثة عفنة مهما نجحت فى إخفاء ملامحها ستفشل فى إخفاء رائحتها.
****
من خلال ما تقدم فهذه الكلمات كتبتها الدكتورة فاتن عرفة مؤلفة الرواية تحت عنوان
” الخلاصة والخاتمة” بعد نهاية الرواية…
وبالتحديد كتبتها فى الصفحة الواحدة والأربعين بعد المئة حيث أن الرواية جاءت
فى مئة وأربعون صفحة بما فيها المقدمة والتصدير فى أربعة صفحات.
فى المقدمة والتصدير يجد القاريء افكارا للكاتبة وقناعاتها فى شكل تقريري خاصة ما يتعلق بفكرة الرواية وما يتعلق بعلم النفس
فعلى سبيل المثال تقول فى المقدمة :
نحن إذن أمام تجربة شخصية نفسية ساقها مؤلفنا وقد تكون لها خصوصية تتوازى مع عموم النفس البشرية لأية رواية مماثلة.
وفى التصدير تقول :
لازال ما نعرفه اليوم عن النفس البشرية محدودا مقارنة بما نعرفه عن عناصر البيئة الأخرى والعالم المادي والطبيعي .
ومؤلف هذه الرواية يؤمن إيمانا عميقا أن علم النفس اساسا علم لفهم الحياة الإنسانية بجوانبها المختلفة وبإمكانية هذا العلم
اللا محدود….الخ
وأتوقف هنا قبل الدخول إلى عالم الرواية وتفكيكها وتحليلها ، أتوقف أمام هذه المقدمة
والتصدير فكما جاء فى الجمل التى كتبتها سابقا نجد إحداها تبدأ بكلمة ” ومؤلف هذه الرواية ” يؤمن ….الخ.
ولعل ذلك يجعل القارىء ينتظر فى نهاية المقدمة أو التصدير توقيعا باسم كاتبا أو ناقدا
يقدم الرواية من وجهة نظره ولو كان قد حدث ذلك لربما أصبح الشكل مقبولا وربما يكون قد حدث سهوا ولم يكتب اسم صاحب المقدمة والتصدير وربما هناك وجهة نظر لمؤلفة الرواية بكتابة المقدمة والتصدير بهذه الطريقة ولكن فى كل الحالات هناك تحفظ على كتابة المقدمات والتصدير خاصة لو عرف القاريء
من خلالهما فكرة الرواية أما ما يتعلق بالخلاصة والخاتمة فهى مقبولة لأنها تلخص الهدف الكامل والكامن فى الرواية وإن كان ذلك أيضا يتحفظ عليه عند النقاد…
لكننا فى النهاية نستطيع أن نتقبل ذلك خاصة من متخصصة فى علم النفس تريد أن تقدم رسالة للقاريء وسيعرف المتلقى ذلك بعد أن ينتهي من قراءتها فيعود مرة أخرى إلى تلك المقدمة والتصدير فيعرف أهمية علم النفس
فى حياتنا ويعرف أكثر أن هناك علما آخر فى الرواية له أهميته وأؤكد عليه فى تناولي لأي عمل روائي أو قصصي ألا وهو
“علم نفس الرواية”.
****
غياهب الخداع :
للوهلة الأولى عندما يمسك القارىء بالكتاب يلفت نظره العنوان الذى يتأمله مع صورة الغلاف لمشهد جانبي يأخذ مساحة جانبية
” لنصف وجه ” لإمرأة شابة وقد غطت الخيوط والخطوط والألوان الرمادية واللون الأحمر الداكن بلون الدم رأسها
ونصف وجهها ؟
ويحسب ذلك للكاتبة والمصمم إذ يتوافق العنوان مع الصورة الموحية للمعنى.
***
ماذا تقول الرواية ؟
لعلنا نجد أنفسنا أمام معالجة نفسية ودرامية
من دكتورة فى علم النفس لمثلث وأضلاع الخيانة والتى تناولتها السينما أو بعض الأعمال الأدبية ولكن هنا يجد المتلقى معالجة بلون خاص ومن وجهة نظر علمية اشتقت الكاتبة من علم النفس نظريتها ورؤيتها وغاصت فى الجانب البشري لشخصيات الرواية وبحثت عن مكامن الضعف الإنساني وعن مكامن القوة وأماكن القبح والجمال وشرحت فى هدوء كل حالة
ورسمت أبعادها حتى كأن القاريء يكاد أن يتعاطف أحيانا وينقم أحيانا أخرى على تصرفات أبطال النص .
مثلث الخيانة المعروف :
الزوج
الزوجة
الصديق
تبدأ الرواية فتقدم نموذجا لأحلام الشباب الضائعة عندما يفقدون الأمل فى الحصول على وظيفة بعد التخرج فيجدون فى السفر للخارج وخاصة دول الخليج ملاذا لتحقيق أحلامهم فى الثراء والعمل والزواج ..
ورغم أن ” ماهر ” بطل الرواية كان يمكنه أن يكون معيدا فى كليته عقب إعلان النتيجة وهذه الفرصة يتمناها كل خريج من الخريجين إلا أنه يرفض ويصر على السفر ويترك أمه الأرملة
” الجميلة ” وأختيه ويسافر ويتغرب ويبخل على نفسه ليدخر كل دخله ولا يصرف إلا قليلا..
يعود إلى بلده كعادة الذين يسافرون ويدخرون فيبحثون عن العروسة ؟!
يظهر ” عبد الحميد ” صديق الغربة والذى يغريه بالزواج من ” فادية ” ابنة اخته المستهترة وهو يعرف ذلك ويخدع صديقه…ففادية المستهترة بكل شيء الغير جميلة والتى كل تفكيرها ينحصر فى أطماعها وإرضاء غرائزها وشهواتها .
تقبل فادية بالزواج من ماهر لأنه فقط يملك المال والثراء وليس عن عاطفة ..
تضع فادية ” جنة ” التى تشبه أم ماهر الجميلة ذات العيون الزرقاء والشعر الأشقر ؟!
تمضى السنوات فتخرج غرائز فادية وتستسلم لها وتقع فى مستنقع الخيانة ..مع ” أحمد ” المستهتر الفقير الذى تزوج مرتين وأنجب من زوجتيه لكنها لا تبال بذلك وتضحى بابنتها وبزوجها وبابنها ” لؤي ” الذى أنجبته بعد سبعة عشر عاما بناء على رغبة ماهر ظنا منه أن ذلك سيقرب بينهما ويذيب جبل الجليد فى حياتهما الزوجية ..لكنها لا تبال وتستمر فى الخيانة مع أحمد بل ومع صاحبه ..ويكتشف ماهر وجنة الخيانة ..لكنه يقع فى غياهب الخداع التى تجعله مسلوب الإرادة أمامها وأمام ابنته التى يحبها وأمام ابنه الذي أصبح عمره سبعة سنوات ..
يتم الطلاق ورغم عدم انقضاء شهور وأيام العدة إلا أنها تستمر فى الخداع وماهر يضعف وتعاشره لأنها لا تستطيع أن تتخلى عن غريزتها وشهواتها ..وبمجرد انقضاء العدة تترك البيت وتتزوج من ” أحمد ” الذي يسلبها حريتها ويجعلها خادمة لأبنائه وأمه وإخوته ..
وتمضى أحداث الرواية فى سرد شيق وتحليل وتشريح نفسي لأفعال وردود أفعال أبطال الرواية مستشهدة بأمثال أم ماهر الشعبية وكذلك نصائحها التى تستخدمها فى مواقف كثيرة يتذكرها ماهر وتحل بها مواقف معقدة لتكون خروجا لبطل الرواية السلبي أو الساذج كما ظهر فى مواقف كثيرة لا يستطيع أن يواجه ولا أن يجد حلولا غير الإستسلام حتى أنه عرف بخيانة زوجته وتقبلها وسامحها معتقدا أنه يضحى من أجل أبناءه أو يقنع نفسه أنه يدبر لها للإنتقام لكنه لا يفعل شيئا غير الطلاق.
تظهر شخصيات جديدة فى الرواية
مثل شخصية دكتورة علم النفس التى تلجأ إليها جنة لتحكي مشاكلها النفسية بسبب أمها فتصبح الدكتورة سببا فى ارتباط جنة بمحمود ابن اخت الدكتورة ..
وتنتهى الأحداث بفرحة جنة ومحمود باستقبال تؤاما ثم فرحة أخيها لؤي بخطبته .
نستطيع أن نتوقف عند موقف
يرمز لغياهب العقل عندما تستولى عليه فكرة ما ذلك الموقف عندما حاولت فادية حضور فرح ابنتها ، يلمحها ماهر من بعيد فيستشير ابنه ماذا لو سمحت لأمكم بحضور الفرح ؟
يستشيط الإبن غضبا ، يتذكر خيانات أمه التى كانت تحدث أمام عينيه عندما كانت تصطحبه معها كنوع من التمويه لإبعاد الشك عنها لكنه كان يرى ويسمع ما كان يحدث بينها وبين عشيقها !
فى حين أن جنة تراها ، تمسكها من يديها وتتحدث للمعازيم قائلة أن الأم هى التى تربي وليست التى تلد فتشير إلى زوجة أبيها مديحة ثم تنحني تقبل يديها ثم تطرد أمها من فرحها ؟!
تنتهى الرواية بمأساة فادية التى كان
لا بد منها ولا بد من حدوثها.
***
البناء الروائي :
ما تقدم من شرح وتفكيك لأحداث الرواية التى نستطيع أن نصنفها أنها رواية إجتماعية كجنس أدبي واقعية الأحداث مميزة فى المعالجة الدرامية للفكرة التى تتناولها.
نتوقف الأن أمام البناء الروائي وعناصر الرواية من سرد ولغة وحبكة وشخصيات فنجد أن السرد واللغة قدمتهما الكاتبة فى بساطة دون تعقيد مستخدمة أسلوب الراوي العليم بكل الأحداث ومن ميزات السرد عند د/ فاتن تصاعد الأحداث ومنطقيتها فكل حدث يترتب على ما سبقه آخذة بفلسفة السبب والنتيجة ، ومن خلال ذلك جاءت الحبكة شيقة
فليس هناك مطا أو تطويلا أو أحداثا زائدة ،
– عنصرا الزمان والمكان فى الرواية منطقيا ومقبولا فقد استخدمت وسائل التكنولوجيا والتواصل الإجتماعى كالفيس بوك والواتس اب فى مراقبة وكشف خيانة فادية من خلال هاتفها الذكي الذي يحمل تلك التطبيقات .
ويبقى بعض التحفظات على الرواية :
– بداية من المقدمة والتصدير حيث أن الكاتبة هى التى كتبت وتقدم نفسها حتى يظن المتلقى أن هناك سيكون توقيعا باسم ناقد أو كاتبا آخر.
– أحيانا تظهر شخصية كاتبة الرواية كمتخصصة فى علم النفس من خلال الصديقة الإخصائية فى علم النفس أو الدكتورة التى كانت تلجأ إليها ” جنة ابنة ماهر “
– استخدام حرف العطف ” الواو ” كثيرا فى السرد والحوار وكذلك استخدام كلمة ” زوج ” بديلا عن كلمة ” زوجة ” ففى بعض المواقف أحدث ذلك ارتباكا للملتقى .
– استخدام لغة الفلاش باك لسرد حدث بعد وقوعه مثل كيفية وقوع الطلاق ثم الرجوع والعودة مرة أخرى لسرد بعض الوقائع.
وأخيرا وليس أخرا نحن أمام كاتبة تملك أدوات الحس الروائي بشكل جيد وأمام رواية غاصت فى أعماق النفس البشرية التى لا يستطيع أحد فهمها بضعفها وقوتها وهذا ما جعل فكرة الرواية وهدفها وحبكتها تتميز فى طرحها لمعنى الخيانة والضعف الإنساني من خلال التشويق الذي أثارته فى مواقف وأحداث روايتها ..
تقول د.فاتن فى تصديرها للرواية حيث تقدم روشتة نفسية لكل إنسان فى الحياة بل لكل قاريء :
( لا تحاسب نفسك على ماضيك )
لكل إنسان يلوم نفسه على الماضي ، انتظر!
أريد أن أقول لك شيئا : لا تحكم على نفسك من خلال ماضيك ، لا تحمل نفسك مسئولية ما وقع لك وما آلت إليه الأمور ، لأن قبل كل شيء
هذا قدرك.
اختياراتك الماضية حتى لو كانت خاطئة أو كارثية فهي التى صنعت ما أنت فيه الأن.
فلم يكن الأمر عبثا ولا هدرا بل كان ضروريا لتنضج وتصبح أنت ، فلولا الأخطاء والكوارث
ما تعلمنا.
كان ذلك هدف الرواية وفكرتها التى قدمتها فى بناء متكامل مكثف لا يشعر معه القاريء سوى بالتشويق ومتعة القراءة.
انتهت قراءة وتحليل وتناول رواية
” غياهب الخداع”
لكنها لن تنتهي من وعي المتلقي.
كل التمنيات الطيبة والتهاني للدكتورة فاتن عرفة وكل الشكر لما قدمته وبذلته من مجهود رائع حتى أصبحت هذه الرواية بين أيدينا لنحصل على متعتين:
الأولى متعة العلم.
والثانية متعة القراءة.
—————-
صابر الجنزوري
صباح الثلاثاء ٣١ يناير ٢٠٢٣

شاهد أيضاً

أوبرا غارنييه … جولة في دار الأوبرا الفرنسية بباريس

عدد المشاهدات = 324 بقلم الكاتبة/ هبة محمد الأفندي دار الأوبرا الفرنسية بباريس المعروفة بأوبرا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.