الجمعة , 29 مارس 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: وداعا مَلِكَة القَرن 

= 1824

في صباح يوم من عام 1991 كنت في الأعظمية عند الشارع المؤدّي إلى المقبرة الملكيّة، ببغداد، أتابع تصوير المشهد الأخير لفيلم “الملك غازي” للمخرج محمّد شكري جميل، وكان تشييع جثمان الملك غازي الذي توفّي بحادث سير، وهو يقود سيارته في الرابع من ابريل عام 1939 م، وكان مشهدا مهيبا، شارك به عشرات الأفراد من الممثلين والكومبارس، من مشيعين، يؤدّون شخصيات كبار الدولة، ورجال شرطة، وخيول، وضبّاط برتب عسكرية عالية، وقارعي طبول، وعازفي موسيقى جنائزية، وطلاب مدارس، وفرق كشافة، ونساء يرتدين العباءات السود، وينحبن، وكان المشهد مؤثرا، ومن بين الجمهور المحتشد على جانبي الرصيف، الذي كان يتابع تصوير المشهد، سمعت نحيب امرأة، التفت ، رأيت عجوزا، تبكي بحرقة، اقتربت منها، هدّأتها: وقلت لها : كفكفي دموعك يا حاجّة، هذا مشهد تمثيلي، فنظرت إلى معاتبة، وقالت: وهل تظنني لا أعرف ذلك؟ فاعتذرت منها، وقلت: إذن لماذا تبكين؟ 

أجابت : أنا اليوم أبكي على الملك غازي، رحمه الله، فقد كنت شابة، في مقتبل عمري، آنذاك، في قصر الزهور، عندما وصلنا الخبر المؤسف، الذي استحضرته هذه الساعة”.
  
وبعد الانتهاء من تصوير المشهد ، مضيت إلى الصحيفة، لأكتب خبرا عنه، لكنّ كلمات المرأة العجوز بقيت ترنّ في رأسي، وتذكّرتها بقوّة يوم وفاة العاهل الأردني الملك الحسين بن طلال، رحمه الله، في السابع من فبراير 1999م، وكان حدثا تاريخيّا، فقد ووريت في التراب شخصية حكمت الأردن حوالي نصف قرن، في مرحلة صعبة مشحونة بالأحداث التي عصفت بالمنطقة، فكان حاضرا دائما في مقدمات نشرات الأخبار التي كنا نسمعها عبر الإذاعات، ثم نراها على الشاشة الصغيرة باللونين الأبيض والأسود، ثم الملوّن، ثم الفضائيات، يومها كتبت نصّا قصيرا نشرته في مجموعتي” شمال مدار السرطان” حمل عنوان” موت ملك” جاء فيه: 

“ماذا ستفعل بعد؟ 
هرستَ أيامك في حربين ضروسين 
            وجبت مدناً 
                  ودروباً عجاف 
وسوّدت العديد من الأورام 
و .. و .. 
     وشهدت موت ملك” 
 
استرجعت يومها أحاديث الأهل وحزنهم على مقتل ملك العراق الشاب الملك فيصل الثاني في الرابع عشر من يوليو 1958، هذا الحزن ظلّ إلى اليوم، في العراق، فللملوك مقامات رمزية، وتاريخية في وجداننا الجمعي، واليوم  اتّشحت الكرة الأرضيّة بالسواد بعد إعلان قصر باكنغهام نبأ وفاة الملكة إليزابيث الثانية التي حكمت مملكة بريطانيا العظمى التي لم تكن تغرب الشمس عن مستعمراتها، ذات يوم، وها هو الستار يسدل على الملكة التي بعد أن بقي التاج على رأسها أكثر من سبعين عاما.

  وفي هذا الموقف نتذكّر مواقفها المشرّفة من السلطنة التي كانت تكنّ  الحب والتقدير، لها، ولجلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ ومن قبله السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ طيّب الله ثراه ـ  الذي رثته  يوم وفاته في العاشر من يناير 2020 م: ” شعرت بحزن عميق بعدما علمت بوفاة جلالة السلطان قابوس بن سعيد، فلقد كان مخلصا لسلطنة عمان وشعبها بفضل حرصه على إرساء دعائم التنمية، ورعاية الشعب العماني، فأصبح مصدر إلهام للجميع، وسوف نتذكره، بكل صفاته وحكمته والتزامه بالسلام والتواصل بين الأمم وبين الأديان”.

وعشيّة وفاة الملكة إليزابيث الثانية ندعو لروحها بالرحمة، ونلوّح لها بمناديل القلوب، ونقول: وداعا ملكة القرن.
————- 
* عن “أثير”.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: سندوتش المدرسة.. صدقة وزكاة

عدد المشاهدات = 6696 لا ينكر إلا جاحد ان الشعب المصرى شعب أصيل، شعب جدع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.