الأحد , 5 مايو 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: «نور» الذي لا ينطفئ!

= 1172

Abdul razak Rubaiy

 

اعتدنا، حين نكون بصالة عرض سينمائي، أن تطفأ الأضواء، قبل بدء عرض الفيلم، فأيّة إضاءة تؤثّر على وضوح الصورة على الشاشة البيضاء، التي تتزاحم في ساحتها الأضواء، لكنّ نجما كبيرا كنور الشريف، فإنّ «نور» حضوره، يجعل الشاشة أكثر وضوحا، وجمالا، لذا، لا يغيب من يمتلك تاريخا فنّيا سطّره عبر نصف قرن من العمل في السينما، والمسرح، والتلفزيون، قدّم خلاله أكثر من 170 فيلمًا سينمائيًا، ونحو 20 مسلسلاً تلفزيونيًا، والعديد من الأعمال المسرحية، وخارج ذلك يشهد الكثيرون لنور الشريف مواقفه، وحضوره الإنسانيّ، ومساهماته في تنشيط الحياة الفنيّة العربيّة، وكان يدعم المهرجانات بحضوره، وأفكاره، ومن بينها مهرجان مسقط السينمائي الدولي، الذي يعدّ أحد مؤسسيه، وقد لبّى دعوة المهرجان بتكريمه في الدورة الثانية من المهرجان أواخر يناير 2002 م.

 في تلك الأيّام كان قد انتهى من عرض مسلسله «الحاج متولي»، وكان يتحاشى اللقاءات، والمهرجانات، وكان برنامجه مزدحما بالأعمال، والالتزامات، لذا اعتاد أن يعتذر عن تلبية الدعوات، وخصوصا أنّه كان مرتبطا بعرض «لن تسقط القدس»، للمسرح القومي، ومع ذلك لبّى دعوة المهرجان الذي قام بتكريمه في حفل حضره إعلاميون، وفنانون، كان من بينهم الراحل مصطفى العقاد الذي عانقه بحرارة عبّرت عن صداقة عميقة تربطهما، وكانا يخطّطان لعمل ما ربما كان فيلم «صلاح الدين» الذي ظل مؤجّلا حتى رحيل العقاد في حادث إجرامي جرى في عمّان بعد شهور من ذلك اللقاء، وأذكر أنه سأله بحرارة عن الفنانة بوسي، والتفت لنا، نحن الصحفيين، وقال «هذا أطول زواج في الوسط الفني»، ثم قال له مازحا «سمعنا إنك تتمرن على….» مذكرا بدوره في «الحاج متولي»، فقال ضاحكا «تمرّنّا وخلاص»، وضحكا معا، وفي هذه الأثناء رنّ هاتفه، فقال للعقاد «أهي بوسي بتتصل»، فقال له: «سلم لي عليها»..

لم يكن ذلك اللقاء، هو لقائي الأول به، فقد التقيته أواسط الثمانينات في مهرجان بغداد المسرحي الأول عام 1985م عندما زار بغداد ليرأس لجنة تحكيم المهرجان، وجاءت زيارته متزامنة مع النجاح المدوّي لفيلم «سواق الأوتوبيس» لعاطف الطيب الذي حصد العديد من الجوائز من بينها جائزة مهرجان نيودلهى، حتى سمّي بفنّان الجوائز، وظلت الجوائز تطارده حتى آخر أفلامه (بتوقيت القاهرة) للمخرج أمير رمسيس الذي نال عن أدائه جائزة أفضل ممثل من مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي في يونيو الماضي، ومع ذلك كان متواضعا في تعامله، فكسب ودّ جميع من التقاه، وكنت من بينهم، فبعد وصوله بغداد فجرا، وكنت في بدايات عملي في الصحافة، أسعى باحثا عن سبق صحفي، وخلال تفحّصي وجوه الضيوف في مطعم فندق «الرشيد» فوجئت بوجه نور الشريف، فسارعتُ إلى إلقاء التحيّة عليه، فردّ بأحسن منها، وعلى الفور طلبتُ منه موعدا لاجراء حوار، فوافق، وقال: «بعد الإفطار إن شاء الله».

 كانت الدقائق تمرّ ثقيلة، وبعد قليل، فوجئت بجلوس الفنان جميل راتب بمفرده، فلم أفوّت الفرصة، وفتحت معه حوارا، لم يلبث الحوار أن أخذ وقتا طويلا، لثقافة جميل راتب الواسعة، وتجربته الطويلة، وخلال ذلك، فوجئت بمجيء الفنان نور الشريف، وجلوسه إلى جواري، بكلّ تواضع، فاعتذرت لهذا الإرباك، فأجاب مبتسما، مشيرا إلى جميل راتب «معلش نحن واحد»، وعجّلت بإنهاء حواري، لألتفت إلى الشريف الذي كشفت اجاباته عن سعة أفقه المعرفي.

وظلّ نور الشريف يواصل أعماله الفنيّة، حتى بعد إصابته بالمرض قبل سبع سنوات، رغم إحساسه بدنوّ الموت منه، حتى أنّه قال في حوار تلفزيوني: إنّه يتمنّى بثّ المشهد الأخير من مسلسله «عمر بن عبدالعزيز» بعد وفاته، وحين شاهدت ذلك المشهد الذي يختمه بالآية الكريمة «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»، فهمت لماذا شدّه هذا المشهد دون سواه من كلّ ما قدّم من أعمال كبيرة، ففيه «لحظة تنوير ربّاني» كما وصف «نور» الذي سيظلّ اسمه ساطعا في ذاكرة الدراما التلفزيونيّة، والسينمائيّة العربيّة رغم انطفاء جذوة الجسد.
————
razaq2005@hotmail.com

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 12207 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.