حياتي اليوم صحيفة إلكترونية يومية
مجنونة هي، جميع من يعرفها يطلق عليها تلك الصفة، مجنونة ولكنه الجنون اللذيذ، البريء، المغطى بالعسل الأبيض كقلبها الهائم، يقولون عنها ذلك، وتعشق هي أحاديثهم عنها، إنها هذا الطيف المشع في كل مكان وزمان ، تلك البرودة اللذيذة مع نسمات موج البحر في الصباح الباكر .
غارقة دائما بين كتبها المتناثرة حولها في كل مكان، تبحث وتفكر، تتمرد وتصرخ، تبحث عن حقيقة الأشياء المجردة من الرتوش التي نتصنعها ونخفي تحتها الحقيقة.
لماذا لا تكون كباقى بنات جنسها، وتهتم بالموضة وآخر الصيحات ، بالأغانى والفنانات ، بقصص الغرام ، أليست إمرأة، ألا ترى نفسها كذلك؟
عندما تصل لتلك النقطة تغمض عينيها وتتذمر إنها مختلفة.. نعم وتكمل قراءة.
يتملكها شعور أنها شيء آخر، إنها كائن فضائي بعيد عن الأرض ولا يثبت بأقدامه حتى علي سطح الفضاء الشاسع .
من عالم آخر أتت وتجهل طريق العودة إليه، ليست لديها حدود ولا تستطيع تحديد معالم لها، تشرق شمسها وتغرب لها وحدها، قطعة “آيس كريم” بالشتاء تذوب سريعا، أو قطعه شوكولاته جميلة مغرية الكل يعشقها بحرارة وحين يهم بأكلها تذوب وتترك آثارها على اليد والشفاه بلذة وروعة وشقاوة.
تبخل بنفسها علي أي علاقة، سوى علاقاتها العبثية بالفلاسفة نيتشة وديكارت وأرسطو وأفلاطون، ترى نفسها بعين ولهانة ودائما تشعر بصعوبة أن يفهمها أحد أويفك رموز مملكتها ليدخلها وتعلن الإستسلام له. لها طريق محدد تمنع أي أحد من السير فيه أو مجرد عبوره . هي من تكون ؟
ماذا تفعل بليلتها تلك؟
ضجر، تشعربفراغ قاتل يلملم نفسها الشريدة ويهديها هدية سهلة للحظات مملة عابثة. ولماذا الفراغ ؟ وسط هذا الكم الهائل من الأفكار المبعثرة ، أين تقف هي منهم .
وعادت لنيتشه وديكارت تبحث معهما وتفكر حتى ملت القراءة، كلمات وكلمات رغم عشقها لتلك الكلمات، إلا أنها أحيانا يصيبها عمى مؤقت لا تستطيع به أن تري، ظلام فقط يذهب معني الحروف ويتركها على سطح السطر ببرود قاتل لا تعي ما المقصود.
تسمع موسيقى؟!
لا تريد شيئا آخر يخطفها من هذا التوتر الذي بدأ يسري بعروقها وينتشر ويتوغل تاركا بصماته سهر علي لياليها الباردة.
الموسيقى تأخذها لمنطقة خطر..منطقة كلها شجن وخيال وهي تريد الواقع تلمسه بيديها يدفيء برودة لحظاتها .
لا شيء يعجبنى!!
تقولها كما تحب أن تسمعها من محمود درويش تحب أشعاره أم تحب الحزن البادى من مقاطع كلماته ونبرة صوته الشجى الرجولي . دائما تسأل نفسها كيف تسمع لدرويش وتذهب لنزار ، ما لهذا التضاد الظاهر بشخصيتها ، كيف تخون العلم مع الادب والاشعار ، أنه مزاج مقلوب مجنون منها .
جائتها الفكرة..
فكرة مجنونة ولكنها فكرة خرجت منها وهذا يعني أنها تستوطنها..
أليس كذلك؟ ألسنا أبناء افكارنا ودواخلنا تتحدث عنا؟
فجأة ذهبت لغرفتها وارتدت ملابسها..فستان فضفاض وطويل وجميل ولكنها غيرت رأيها خلعت ما ارتدت ولبست بنطلون ضيق وبلوزة ضيقة وسوت شعرها بطريقة مثيرة. أظهرت ما تملك وكأن لسان حالها يقول أنا هنا أنا جميلة ، أستطيع أن أكون أمراة عن جدارة ، أملك مفاتيح الانوثة ولكنى امتنع ان أهبط لمستوى أقل من العقل .
العقل !!
العقل والجسد ، الخير والشر ، الحب والكره ، لماذا كل شيء لابد وان يحدد ؟ لماذا الأسود يمتنع في حضرة الأبيض ؟ لماذا لا يمتزجا ويخرج لون آخر يقبل الحياة ؟. لماذا لا يصمت عقلها لتعيش وتستمتع ؟
ماذا تنوي أن تفعل؟ وبتلك المساحيق علي وجهها في هذا الوقت من الليل
تحدثت لمرآتها: منذ متي وأنت تعشقين تلك الألوان والاصباغ؟
وعلت ضحكتها وكانها انتوت على شيء .
أخذت مفاتيح سيارتها وخرجت، واندفعت في ليل القاهرة القاهر عله يقهر هذا الضياع النفسى..هي تراه كذلك ولكن ورغم سهولة الطريق والفراغ .
تذكرت أنها لا تعرف إلى أين المسير..أين تذهب؟
دائما تفعل ثم تفكر تخطئ ثم تعلل تتهور ثم تبكى .بعيدة عن عالمها وكتبها تشعر بالضياع ، كأنها مسيرة لشيء مجهول مغمضة العينين ، لا يحق لها غير طريق وأحد ، ولكن شيء ما يناديها كالنداهة ، لن تستجيب
ماله هذا النيل القابع بغموض منذ آلاف السنين؟
ألا يمل التحديق فيه؟ ألا يبغض المتطفلين عليه ماله مستسلم للجريان بسكينه وهدوء. أهى مجنونة حقا ؟
سألت نفسها وكررت السؤال وابتسمت وعلت ابتسامتها ضحكت بصوت عال ملفت.
شغلت موسيقي بصوت عال والسيارة تقطع الطريق برعونة وما زالت ضحكتها تهز أركان جسدها النحيل ويرعش مشاعرها.
فجأة توقفت ونزلت..إنها صالة رقص.
قررت أن تكمل جنون ليلتها وخرجت من السيارة وذهبت وهي تسير بلا تفكير ولا هداية.
جلست.. المكان مظلم والضجيج بدأ يفزعها، وبعض من حولها في صالة الرقص يحملقون بها..فتاة جميلة ووحيدة ليلا..إذا ماذا ينقص لتكتمل ليلتهم بها؟
ماذا تفعل وكيف وصل الحال بها إلى هنا؟
وأثناء مناقشتها نفسها فوجئت بأحدهم يجلس معها علي نفس الطاولة ويميل عليها يسألها عن اسمها ويمسك بيدها ولم تدر بنفسها، تركت يدها وأصبحت تقرأ الكلمات فوق شفاه ولا تسمع أي صوت منه مفصولة عن هذا العالم تفكر بنفسها وكيف إنها لا تتذكر اليوم.
كان موعدا مهما ولكن أين لا تدري كيف لا تدري واذا كان موعدا مهما لماذا لم يتصل بها من واعدته أخرجت الموبايل إنه مغلق ، اليوم ماذا ؟ وعندما فشلت في التذكر سألت رفيقها : اليوم ماذا ؟ ضحك واجابها اليوم أمس .
تذكرت وأغمضت عينيها، عادتها عندما يضيع منها شيء، إنه اليوم رسالة الدكتوراه، انه موعد مناقشة رسالتها.”أصل الأخلاق عند نيتشه”.
“الخير والشر، الطيب والخبيث”، “الذنب والضمير المتعب و”ماذا تعنى المثل “؟
(سماح الجمال)
