الثلاثاء , 30 أبريل 2024

تهى العبري تكتب: شخبطات أطفال وكلام عيال!

= 1994

قد نتذمر عندما نرى أطفالنا قد “شخبطوا” على جدران المنزل أو عندما نخرج إلى الحديقة ونراهم قد عبثوا بالطين، والرمل وقد شكّلوا ورسموا شيئاً يعني لهم الحياة دون أن ندرك ما صنعوا ولماذا. هكذا هم فلذات أكبادنا يفرحون بالأقلام والألوان فتراهم يرسمون ويخطّون على الاوراق والجدران والسطوح المغبرّة ويستمتعون أكثر بتشكيل الطين سابقاً وبالصلصال في وقتنا الحالي.

هذه الفئة من الأطفال هم عباقرة وأذكياء مليئين بالمشاعر والحيوية والحس الذوقي للتعبير عن مكنوناتهم الدّرة. سابقاً تمَّ إهمال رسومات الأطفال وتجاهلها لسوء فهم أو لاعتبارات أنها شخابيط لا معنى لها ولكن مع بدايات القرن العشرين تبددت تلك الغيوم السوداء عن رسومات الأطفال لتكشف وتحلل تلك الشخابيط كنوع من الفن والتعبير عن المشاعر والرغبات.

فالرسم هو لغة أخرى للطفل لا تحتاج للنطق وإنما التعبير بخطوط ومساحات وأشكال معبّرة، فالطفل فن مستقل له خصائصه واحتياجاته وشخصيته تحتاج إلى احترام وتقدير لتعبيره الفني، وليست صحيفة فارغة نخط نحن فيها وننقش.

ورسم الطفل يمر بمراحل يتوجب إدراكها؛ أولها المرحلة التعدادية وهي المرحلة التي يقوم فيها الطفل بحصر الأشياء والأشكال، وثانيها مرحلة التمييز وهي المرحلة التي يبدأ فيها الطفل يميّز بين هذه الأشكال والأشياء، وثالثها مرحلة الإدراك والتي يصل فيها الطفل لمرحلة القدرة على وضع تلك الأشكال والأشياء في مكانها الصحيح.

ولكن لماذا يرسم الطفل؟

هناك دوافع تجعل من هذا الكائن الصغير يرسم ويعبر بطرق مختلفة، وتصنف إلى نوعين، دوافع بيولوجية وهي ولادية ذات أساس بيولوجي، فالتعليم لا يغير فيها ولا يلغيها، كدافع الحاجة إلى الطعام والشراب والنوم. أما الدافع الثاني فهو دافع اجتماعي كسلوكيات مكتسبة من المجتمع والبيئة والثقافة، كدافع الحاجة إلى تقدير الذات. وبالنسبة للذكور والإناث فهناك فروق شتى في رسومات كل واحد منهم، فالاختلاف بين الجنسين ترجع للطبيعة الفطرية لكل منهما.

وهناك أيضاً أسباب اجتماعية وبيئية وثقافية تؤثر في ذلك، فنرى فئة الذكور يميلون لرسم رموز تشير إلى العنف والقوة والحرب والرياضة والسباقات والمركبات والمعدات الميكانيكية والبناء وكرة القدم.

أما الإناث فتميل إلى الزخارف والنقوش ورموز تشير للأعمال المنزلية والحفلات والعرائس والفراشات والزهور. فالرسم فن بالعين واليد ، العين ترى وتدرك واليد تجسّد وتعبّر.

والاختلاف في التعبير بالرسم يعزى إلى الطفل نفسه وحالته النفسية والجسمية وعمره الزمني، وأيضاً يرجع إلى البيئة التي يعيش فيها ومعاملة والديه له من تشجيع له وغيره. أيضًا المدرسة لها دور فعّال في تنمية وتبنّي موهبة الرسم لدى الطفل من خلال احتضان رسوماته بالتشجيع المستمر والتطوير حتى يصل لمرحلة الإتقان والارتقاء.

وتستخدم الرسومات من خلال التعبير كعلاج للتخلص من القلق والضغوطات ومظاهر الاضطرابات، فيستطيعون من خلاله إعادة بناء طرق حياتهم، وإخراجهم من حالات العدوانية والاضطراب للخوض في مشاعر الحب والسلام والتعاطف. ولنجاح هذه الطريقة العلاجية يجب أن يتوفر شرطان الأول لدى المستفيد والعميل هدف واضح ويتمثل في معرفة الصعوبات واستبدالها بالحلول الثمينة، وأما الثاني فهو التطبيق العقلي لما تم إسقاطه في العمل الإبداعي من مواد ورموز وافكار وأحداث.

واتضح لمتخخصين أن أحدث الطرق النافعة للعلاج هي التشكيل واللعب بالصلصال، في الجانب النفسي بهذه الطريقة حيث تسمح للطفل بالتعبير المباشر والبوح بل؛ ويزيد من شعوره بالقدرة على الإنجاز وبناء الثقة بالنفس، وتفريغ الشحنات السلبية واستثمار الشحنات الايجابية.كذلك يفتح للطفل عالم من الخيال والاستمتاع.

وهنا سأستعرض بعض الدلالات على رسومات الأطفال حسب علم النفس، فالطفل الذي يرسم مربع يدل أنه مرتب ومنظم ، بينما من يرسم رسم الخطوط المتشابكة والمتقاطعة يدل على أنه طفل يرغب بالحرية، غير أنّ الذي يرسم الأسهم فيدل على أنه طفل طموح، ومن يرسم النجوم فهو طفل سيكون ناجحا في حياته ومستقبله مشرق وهكذا.

ووفق دراسة أجريت على الأطفال في الفئة العمرية ما بين (4-12) عاماً من خلال إخضاعهم لاختبار “ارسم رجُلاً” فكانت نتائج الرسومات مختلفة طبقاً لبيئة وظروف الطفل نفسه. فبعضهم رسم رجلاً قوياً وضخماً وكان التحليل أن هذا الطفل يعاني من الضعف والوهن وعبر عما يلاقيه من سخرية أو كلام من الآخرين بمخيلته أن يكون ذا بنية قوية. ولاحظوا كذلك أنّ الأطفال الذين تغلب عليهم مشاعر الكبرياء والفخر رسموا رجلاً ذو رأس كبير. لذا فرسم الطفل يعبّر عن الصورة التي كوّنها داخله لذاته، فإما أن يرسم نفسه أو أن يتخيل نفسه بحال أفضل إذا ما كان في بيئة بها ضغوطات نفسية.

إذن، فإن للطفل حاجات نفسية ملحة يترجمها برسوماته ويحتاج من يحللها ويفهمها ويهتم بها حتى يبدع ويتطور، فهو ذو خيال واسع يحلّق بذوقه الفني لِما يحلم ويطمح و يشعر وما يكتمه في نفسه، فاعطوا أبناءكم فرصة التعبير اللا لفظي.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 9002 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.