الثلاثاء , 30 أبريل 2024

“رجال وأرملة”… قصة قصيرة بقلم د. محمد محيي الدين أبو بيه

= 1356

صديقي (صابر) له جانب مظلم في حياته لم يخبرني به إلا من أيام قلائل فقد اتصل بي وأصر علي ملاقاتي ليحدثني بشأن أمر يجثم علي صدره كالجبال
حدثني أنه ولد لأب غني جدا ولكن لم يمهله القدر ليراه فقد توفي وهو ما زال رضيعا وكانت أمه فتاة لم يتعد سنها العشرين ولكنها أصرت علي عدم الزواج بعد أبيه وأنها ستكتفي به وستقوم بتربيته أحسن تربية رغم توافد الكثير ليطلبوا يدها للزواج فهي صغيرة وورثت عن زوجها الكثير منها العمارة التي يسكنون بها وبأسفلها محالّ يقومون بتأجيرها وباقي شقق العمارة أيضا.
مرت السنون حتى بلغ سن العاشرة فوجئ وقتها بأمه تحدثه بأنه كبرويستطيع الاعتماد علي نفسه في أموره الشخصية وهي ما زالت في ريعان شبابها وقد ضحت من أجله طيلة السنوات الماضية حتى نضج فعليها الآن أن تنظر لنفسها قبل أن يمر قطار العمر وتجف شجرتها
لم يستوعب صديقي ما قالته ولكنه فهم أن رجلا آخر سيدخل حياتهما
هو تاجر كبير في سوق الفاكهة والخضار لم يتزوج من قبل أصله من الصعيد لذا هو يجمع بين الحدة والبساطة وبين التهور والأناة دائما يثور لأتفه الأسباب يضحك أيضا لأبسط المواقف
لم تحدث بينهما ألفة فقد كان صديقي يخشى تحول شخصيته من النقيض للنقيض
لقد عاشوا في شقتهم كما اشترطت أمه للموافقة على الزواج
مرت أيامهم معا بين المد والجزر حتى أتي يوم وهو محمول على أعناق عماله مقطوع الأنفاس
ماذا حدث؟
لقد حدثت مشاجرة بينه وبين تجار آخرين منذ أسبوع بسبب أولوية التحميل فأقسم أن يلقيهم خارج السوق ويقطع دابرهم
إلا أنه لم يأخذ احتياطه منهم فترصدوا غياب حراس (شادره)
ليلا وقاموا بحرقه وأصبح كالصريم
وعندما رأي ذلك المنظر سقط على الأرض لا يحرك ساكنا
وهكذا عادت أم صديقي أرملة مرة أخرى
لم يحزن عليه كثيرا وفرحته بعودة أمه إليه مرة أخرى له وحده لم تدم فقد صارحته أن المحاسب الذي كان يدير حسابات زوجها ويعلم كل صغيرة وكبيرة بميراثه تقدم لخطبتها
هو رجل يظهر عليه سمت التقوى فرأسه تتزين بزبيبة صلاة وهادئ الطباع يميل في أكثر كلامه للتحدث باللغة العربية الفصحى… كان متزوجا من قبل ولكنه لم ينجب
بعد زواجها من الأستاذ (مؤمن)… اسم الزوج الجديد… ارتدت الأم النقاب والتزم صديقي بالصلاة بل أصبح سائحا في البلاد زائرا لمساجد الأولياء الصالحين فقد شده الأستاذ مؤمن لطريق التصوف وحببه إليه…
حام طائر السلام حول بيتهم سنوات
لم ينزع ذلك إلا صوت رصاصة غادرة أسالت دماء الرجل المؤمن وهو في إحدى رحاب الأولياء بمدينة (المنيا) عند مسجد السيد الفولي… وقيدت الحادثة ضد مجهول
مر صديقي بعدها بأوقات صعبة فقد ارتبط بزوج أمه ارتباطا عميقا ودخل في نوبة اكتئاب شديدة
الذي أخرجه من حالته تلك رغبة أمه في الزواج للمرة الثالثة فقد كان يظن أنها ستظل في ذكرى ذلك الرجل المؤمن الذي أظلهم بالمحبة والسلام
أقنعته بأن هذا الرجل يمد بصلة قرابة لزوجها السابق وأيضا محاسب وكان مساعده وأيضا يعمل مديرا لإدارة حسابات مديرية الصحة فهو رجل (شبعان) لن يطمع فيهما
تمت الزيجة وهاجس غريب يلف جنبات صديقي والذي فسره ظهور حقيقة أن هذا الزوج الجديد كان متزوجا من قبل ولديه شابان
وهذا عكس ما أخبرهما من قبل أنه غير متزوج… وقد عرفوا بعد أن أحضر زوجته وولديه ليسكنوا معهم في نفس العمارة
ثار صديقي وثارت أمه ضد هذا الاجتياح المفاجئ
هددهما بأنهما سيلاقيان أياما سوداء والفوضى ستعم مناحي حياتهما ولن ينعما أبدا بثروتهما ما لم يشاركهم فيها خاصة أنها كلها بين يديه
… لذا قد أتيت لي يا صديقي
نعم… لتجد معي حلا لهذا الجبل الجاثم فوق صدري
… ربت على كتفيه قائلا:
الخلع هو الحل لكن ليس هو الوحيد فلا تركنوا إليه يا صديقي واستعدوا بوسائل أخرى تحمون بها ثروتكم وأولها أن تستقل بنفسك وتبحر في مجرى ذاتك.

شاهد أيضاً

وفاء أنور تكتب: حكاية العم “رجب”

عدد المشاهدات = 750 أبطأت خطواتنا وهدأت من سرعتها اضطرارًا، اضطربت حركة أقدامنا المثقلة متأثرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.