السبت , 14 يونيو 2025

“حوار مع حمار”… مقال بقلم: عادل عبدالستار العيلة

= 2203

 

كعادتي حين ارغب في الهدوء والتركيز اذهب الي حقلي اجلس هناك بعيداً عن ضجيج المدينة. لا أريد صراخ الساسة، ولا مواعظ المتكلفين ، ولا زيف من يدّعون الحكمة ، وكآني اذهب هناك للبحث عن شيء صادق ولو للحظة (صدق الطبيعة)

وصلتُ إلى حقلٍي الهادئ، ووجدتُ بجوار حقلي حمارًا مربوطًا إلى شجرة. اقتربتُ منه، لا أعلم لماذا ؟!! شيءٌ ما في عينيه جذبني، كأن فيهما دعوة صامتة للحوار.

جلستُ على قريب منه، وقلتُ له :
الناس يسخرون منك و يقولون إنك غبي. هل أنت كذلك فعلاً؟
نظر إليّ طويلاً… ثم حرّك رأسه بهدوء، كأنما يبتسم، وقال:
لم أدع يومًا أن أكون ذكياً… لكني لم أكذب، ولم أخن، ولم أؤذِ أحدًا. فهل الغباء أن أكون كما أنا؟ أم أن أعيش بوجهين وأتظاهر بما لستُ عليه؟”

قلت له:
“لكنهم يرونك بلا قيمة، مجرد وسيلة لحمل الأثقال!”

فأجابني بنبرة الصمت الحكيم:
“أنا لا أتكلم كثيرًا، لكني أحمل كثيراٌ وهذا يعني أنني أنتج واقدم شياً لهذه الحياة ولكن الناس (الا من رحم الله) يتكلمون كثيرًا، ولا يقدمون شيئًا لا لانفسهم ولا حتي للحياة.

قلت له:
“ألا تتعب؟ من كل هذا؟ من الصمت؟ من البلاء؟”

هزّ رأسه وقال:
“التعب جزء من الحياة، لكنه لا يكسرني… البلاء لا يقتل من يقبله، بل من يقاومه بالكذب. أنا أُبتلى بالصمت، وبثقل الظهر، لكن لم أُبتلَ بالخيانة، ولا بالغدر، ولا بالجشع… ولا بعدم الرضا لقدر الله

سألته:
“وما رأيك في الحياة؟”

قال:
“الحياة ليست سهلة، لكن صعوبتها لا تُبرّر للإنسان أن يتحول إلى ذئب. أنا حمار… لكني لم أفترس، ولم أخدع، ولم أتنافس على منصب، ولم أحمل حقداً على أحد.”

فكرتُ في كلامه… وتذكرت وجوهًا كثيرة:
رجل دين يتحدث عن التواضع، لكنه لا يسمح لأحد أن ينتقده.
سياسي يصرخ باسم الشعب، وهو ينهش في ثرواتهم.
شابٌ يضحك على الحمار، لكنه لا يعرف من هو، ولا إلى أين يمضي.

سألته:
“وهل عرفتَ الحب؟”
ابتسم ابتسامة خفيفة، وقال:
“أحببتُ كثيراً… أحببتُ الأرض التي أمشي عليها، وأحببتُ الناس الذين لم يقسوا عليّ، وأحببتُ البسطاء الذين أعطوني ماء دون أن يسألوا عن نسبي. الحب… ليس كما تتحدثون عنه في أغانيكم، الحب أن تبقى وفياً حتى حين تُنسى، أن تكون لطيفًا حتى حين يُساء فهمك.”

قلت له:
“هل تشتاق أن تكون شيئًا آخر؟”
قال:
“لو خُيّرت… لبقيت كما أنا. لا أُعجبني عيون البشر التي ترى الشكل وتنسى الجوهر، ولا أُعجبني صراعاتهم التي تبدأ من كلمة وتنتهي بسفك دم. أنا حمار… لا أغير وجهي، ولا لساني، ولا موقفي. ومن يعرفني… يعرفني تمامًا.”

سكتُّ… ولم أجد ما أضيفه.

ثم التفت إليّ وقال:
“تذكّر… لا تسألني لماذا أُخلق حماراً، بل اسأل نفسك: لماذا لم تعد إنساناً؟”

قمتُ من مكاني، وهممتُ بالرحيل، فقال لي:
“أنت تبحث عن الحقيقة… وقد تجدها أحياناً حيث لا تتوقع. في حجرٍ، في فقير، أو حتى… في حمار.”

نظرتُ إليه طويلاً، ثم انحنيتُ باحترام، ومضيتُ.

وفي داخلي، شعرتُ أنني لم أُقابل حمارًا… بل ضميرًا حيًّا، نقيًا، علّمني أكثر مما تعلمتُ في كل فصول الحياة.

حفظ الله مصر … ارضا وشعبا وجيشا وازهرا
————————————————
كاتب صحفي … جريدة حياتي اليوم

شاهد أيضاً

د. عائشة الجناحي تكتب: التشتت الرقمي: كيف ننجو؟

عدد المشاهدات = 3479  كم مرة أمسكت هاتفك لترد على رسالة أو تبحث عن معلومة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.