الخميس , 28 مارس 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: فايروس الهلع، والفزع!

= 1889

مع تفشي فايروس “كورونا” في مناطق عدّة من العالم، انتشر، بالتزامن معه، فايروس من نوع آخر، مدمّر للأعصاب، والمزاج، ولا نبالغ إذا قلنا أنّه لا يقلّ خطورة عن ” كورونا”، ذي السمعة السيئة، مع وجود فارق واحد هو أنّ هذا الفايروس لا يدخل المختبرات، ولا يخضع للفحص المجهري، ولا ينتمي للفايروسات التي يتحدّث عنها الأطباء، لأنّه من جنس آخر، وينتمي إلى فصيلة أخرى، ومن ميزاته أنّه يضعف المناعة، ويعكّر المزاج، ويقضي على الشهيّة للطعام، ومماسة أنشطة الحياة المتنوّعة!! مع أنّه لا يهاجم الأجسام، بل يتخصّص في مهاجمة العقول، والنفوس!!

وللتوضيح أكثر، فهذا الفايروس من صنع وسائل التواصل الاجتماعي البارعة في التهويل، وبثّ الخوف، والرعب في النفوس، ولذلك يمكن تسميته بـ” فايروس الهلع والفزع”!!

وقد وجد هذا الفايروس في الامكانات التي توفّرها منصّات التواصل الاجتماعي، وقنوات الإعلام الجديد بيئة خصبة لينمو، ويكبر، وينتشر بسرعة، ويحرث في مناطق بعيدة عن العلم، والمعرفة، والتطوّر العلمي الذي بلغته البشرية في القرن الحادي والعشرين، فهناك من يروّج أنّ “كورونا” غضب إلهي، رابطا بينه، وبين تعرض منطقة الخليج لهجمات جيوش الجراد مستحضرا الآية الكريمة” فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدم آيات مفصّلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين”(133-الأعراف)!

ومن تفتّح وعيه في ستينيات القرن الماضي، مثلنا، يتذكّر، موجات الأمراض، والأوبئة التي مرّت بنا، وانتهت رغم أنّ الطب لم يقطع الأشواط التي قطعها في يومنا هذا، من تطوّر، فكانت يومها تشكّل خطورة، على حياة البشر، كالسل الرئوي، والبلهارسيا، والتيفوئيد، والكوليرا، والجدري، ومع ذلك كانت المفارز الطبية تنتشر في المدارس، وتزور البيوت لتعطي التطعيم المناسب ضدّها، وتقدّم الإرشادات، وتقوم بعزل المصابين بعد الكشف عليهم، وإعطائهم العلاج اللازم، وكلّ ذلك كان يتمّ بهدوء، ورويّة، وحكمة، من حيث أنّ الهلع عند الأزمات يعقّد الأوضاع بشكل أكبر، ويسبّب الإرباك، للمرضى، والمسعفين، والكوادر الطبّيّة التي تحتاج إلى التركيز في عملها لتصل إلى النتائج المرجوّة.

ولابدّ لنا أن نؤكّد في هذه المساحة، أنّنا لا نقلّل من خطورة الفايروس، ولا نقصد الاستخفاف به، والتهاون معه، بل ننبّه إلى ضرورة ضبط الأعصاب، وعدم الانجرار وراء الشائعات، والتهويل الذي يسبّب الهلع، والهرج، والمرج، وتجنّب المبالغات، التي قد يكون من نتائجها إحداث حالة من الشلل التي تعرقل سير عمل الكوادر الطبّيّة، وتجعلهم غير قادرين على أداء أعملهم، والتأثير على الأفراد نفسيّا، فيهملون الوظائف المناطة بهم في الحياة، فيتركون أعمالهم، ومشاريعهم !!

ولنا في حديث الرسول(ص) “إن قامت الساعة، وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تَقوم حتى يَغرِسَها، فليَغرِسْها” قدوة، ومثال يُحتذى به على مواصلة الحياة تحت أصعب الظروف، وأقساها.

وبدلا من الرضوخ للهلع والفزع، والترويج لهما، علينا المساهمة في التوعية، ونشر الإرشادات الصحيّة، والالتزام بها، ومتابعة ما يصدر من وزارة الصحّة من بيانات، وتعليمات ينبغي التقيّد بها، وكذلك تقارير منظّمة الصحّة العالميّة التي تنشرها بشكل يومي لنعرف ما يدور في ما حولنا من مناطق فنتجنّب السفر إليها، إلّا للضرورات القصوى، والتقيّد بالتعليمات الصادرة من الجهات المسؤولة لتجنّب الإصابة به، والمساهمة في نشر ثقافة الحجر الصحّي، ، وتجنب الأماكن المكتظة التي تشكّل بيئة مناسبة لانتقال الفايروسات، من حيث أنّ ” الوقاية خير من العلاج”، وبذلك نكون قد أعطينا الأزمة حجمها الطبيعي، لأننا سنكون بمواجهة فايروس واحد لا فايروسين!

———————————–
Razaq2005@hotmail.com

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: سندوتش المدرسة.. صدقة وزكاة

عدد المشاهدات = 6292 لا ينكر إلا جاحد ان الشعب المصرى شعب أصيل، شعب جدع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.