الخميس , 18 أبريل 2024

د.علا المفتي تكتب: “أيقونات النكد”!

= 1144

معارك ومعارك، تتالى وتتواتر من آن لآخر. إنها وجه من وجوه الحياة الكثيرة المتنوعة، التي قدر للإنسان أن يكابدها، فالحياة ما هي إلا اختبار كبير يجب أن يجتازه شاء أم أبى. والمعارك ليست للأشرار أو المشاكسين أو الشجعان فقط، وإنما أكثر الناس وداعة وطيبة ومسالمة، أو حتى أكثرهم ضعفا وجبنا، لمجبر على الدخول فيها ومجابهتها. فحتى لو حاول الإنسان أن يعتزل العالم، ويعيش وحيدا في صومعة أو كهف، فسيجد من يهتك ستر وحدته وسلامه، من بشر حقود أو حيوان مفترس، أو إعصار مدمر أو سيل جارف أو صخر أو حجر، فحتى الطبيعة قد تتآمر ضد البشر، وتجرهم للدخول في معارك رغما عنهم. إذن لا حياة بلا معارك، فديمومة السلام غاية لا تدرك.

لا أحد منا لم يجرب تلك المعارك الحياتية، التي أغلبها مع البشر. فمنذ نعومة أظفارنا نجد من يكدر علينا صفو لحظاتنا، ومن يسلب منا حالة السلام. فها هو ذاك الأخ الأكبر المسيطر، أو الأخ الأصغر المدلل المشاكس، أو الجار المزعج أو زميل الدراسة المتنمر، أو زميل العمل الحاقد، أو رئيس العمل المتسلط، أو الزوج النكدي، أو الزوجة الغيورة المتغطرسة إلخ إلخ من أنواع البشر، الذين يجبروننا على الدخول في معارك حياتية، لم نرغب ولم نهدف يوما للدخول فيها، لكننا وجدنا أنفسنا في قلبها، ومطالبين بخوضها رغما عنا.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تحاول هذه النماذج البشرية، أن تزج بنا إلى معاركها رغم أننا نتجنبها ونود العيش في سلام؟!!

علم النفس حاول الإجابة عن هذا السؤال، بتحليل شخصيات هذه النماذج السلبية من البشر، وخرج لنا بنتائج هامة مفادها، أن تلك الشخصيات هي في واقع الأمر شخصيات مسكينة تستحق الشفقة، لأنها تعاني في داخلها من إحساس بالضعف والنقص والدونية، مع إحساس بالاضطهاد، وتكره ذواتها وتغار ممن هم أفضل منها، وتعاني من فقدان السلام الداخلي والتصالح مع النفس.

كما أنها شخصيات تشعر بالحزن الشديد، وأن ما يسعدها، أن تجد الآخرين يعانون مثلها من الحزن والضيق، فهي شخصيات تستمد سعادتها من حزن وشقاء الآخرين. لذلك فمثل هؤلاء يعمدون لمضايقة الآخرين واستفزازهم، وإيذاءهم بشتى أنواع الإيذاء، سواء كان ماديا أو معنويا.

أي أنهم باختصار شخصيات مريضة، وفي حاجة للعلاج والمعاونة والمساعدة، لكنهم لا يعترفون بذلك، سواء أمام أنفسهم أو أمام الآخرين، ويجدون أنفسهم على حق دائما ولا يخطئون أبدا. وإن حاولت مساعدهم يرفضون، وذلك لأنهم فاقدي البصيرة.

كيف إذن يمكننا ان نتعامل مع تلك النماذج البشرية غير السوية؟! أنتركهم يزجون بنا إلى معاركهم ؟! أم نتحمل إيذائهم لنا ونخضع لهم؟! أم نعاملهم بنفس طريقتهم، فنتحول بالتدريج إلى أشباه لم؟! هل نتركهم يتغذون على طاقاتنا الإيجابية، ويغرقوننا بطاقاتهم السلبية، فيؤرقون حياتنا ويسرقون سلامنا النفسي؟!!

لقد أجاب كل من الدين والحكمة والعلم على هذه التساؤلات، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم “والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين” (آل عمران ، 134)، وقال جل وعلا أيضا “ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم” (فصلت ‘ 34)، كما قال تعالى “وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزع بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا” (الإسراء ، 53).

أما الحكماء فقد قالوا في هذا الشأن، بيت الشعر الشهير: (لو كل كلب عوى ألقمته حجرا لأصبح الصخر مثقالا بدينار). كما قالت الحكمة الشعبية: إن جه العيب من أهل العيب ما يبقاش عيب.

ثم يأتي العلم ليقول لنا نصائحه للتعامل مع تلك الشخصيات السلبية، حيث أفاد بأنه علينا بالابتعاد عن مثل هذه الشخصيات كلما أمكن ذلك، وإن كان لا يمكن قطع علاقتنا بهم، نظرا لأنهم أقرباء أو زملاء عمل أو ما شابه، فعلينا بتجاهلهم وعدم استفزازهم، والتعامل معهم بهدوء وثبات وعدم انفعال، مع الحزم في المواقف التي تتطلب ذلك، وتفويت أي فرصة للاستجابة لاستفزازاتهم، أي أنهم يستحقون معاملة الأطفال.

إن مثل هؤلاء يعدون “أيقونات للنكد” في حياة من يتعاملون معهم. فلا داعي لأن نلتفت لهم أو نعطي لهم أية أهمية. ولنضع ستائر قاتمة تحجب عنا رؤية تلك الأيقونات القبيحة. ولنبني بيننا وبينهم جدارا نفسيا قويا، يمنع فيروس نكدهم من اخترقنا وتدمير سلامنا النفسي.

* مدرس أدب وثقافة الطفل بكلية البنات جامعة عين شمس.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: صلاة الرجال مع النساء.. باطلة!

عدد المشاهدات = 2930 نشر فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب على صفحته الرسمية على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.