الخميس , 28 مارس 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: كتاب، وماء، وذهب عُماني !

= 1909

يزخر التاريخ العماني بالكثير من الشخصيّات التي قدّمت اسهامات عديدة في البناء الحضاري الإنساني، على مرّ العصور، وبين وقت وآخر نتعرّف على شخصيّة من هذه الشخصيّات، وقد نبّهني الزميل نصر البوسعيدي للطبيب، والفيزيائي العماني “أبو محمد عبد الله بن محمد الأزدي” الملقّب بـ(ابن الذهبي) صاحب كتاب الماء، هذا العالم الذي برع في علوم الطب، والكيمياء، والفلسفة، وكما تشير المعلومات المتداولة عنه أنّه ولد، وعاش سنواته الأولى في صحار، في سنة لم تحدّد من القرن الرابع الهجري( العاشر الميلادي)، ومنها انطلق إلى البصرة، ثم توجّه إلى بغداد، فبلاد فارس، ثم رحل إلى الشام، بعد ذلك هاجر إلى القدس ، ليلقي عصا الترحال في (بلنسية) الأندلسية التي استقرّ فيها حتى وفاته سنة 456هـ .

وقد تتلمذ على يدي البيروني، وابن سينا، فأخذ من علومهما في الفلسفة، واللغة، والطب، وتأثّر بالفراهيدي، ومنهجه في كتاب (العين)، فوضع كتابه الهام (الماء) الذي حقّقه الدكتور هادي حسن حمّودي الذي عدّه “أوّل معجم طبي لغوي في التاريخ” مشيرا في مقدّمة كتابه، إلى ” القرابة الوجدانية، والروحية بين العالمين الكبيرين الفراهيدي، والأزدي، إذ كلاهما قدم من عمان مهاجرا، واستقر في البصرة، “، كما نقل الأخ نصر في مقال نشر في صحيفة” أثير” الالكترونيّة، وتأكيدا لهذه “القرابة الروحيّة ” نسج (ابن الذهبي ) كتابه(الماء) على غراره، فابتدأ بحرف(العين)، كما يشير بقوله ” فإني لمّا رأيتُ أبا عبد الرحمن الخليل بن أحمد، رحمه الله، قد أغرب في كتاب (العين) فبزَّ من كان قبله، وعنّى به من جاء بعده… عزمتُ على أن أكتبَ كتابا يجمع بين الطب والعربية، ويضمّ الأمراض، والعلل، والأدواء”.

فجاء كتابه على هيئة موسوعة ، وقاموس في الطب، وقد أفرد للماء مساحة واسعة كونه كما يصفه ” أطيب الطيب لأن أكثر الطيوب إنما تظهر رائحتها بالماء، وفي الماء ما ليس في الطيوب من التنقية والتطهير…وهو في أكثر الحالات لذيذ الشرب ،حلو الطعم، صافي الجوهر، شديد الترطيب ،يدر الطمث ،ويلين الطبيعة ويزيد في الباه”

ولكونه من الشخصيّات العمانيّة المهاجرة، لم يأخذ (ابن الذهبي) نصيبه من الاهتمام، وفي ذلك تشير مجلة “نزوى” في عددها الصادر في 1 يناير1996م “ابن الذهبي أحد هؤلاء الذين شملهم بغباره النسيان لولا أن الكتاب لا يضيع صاحبه مهما تكالبت الظروف، فبكتابه في الطب التجريبي يخرج الذهبي من ذاكرة النسيان إلى وهج الحياة”، وأشارت المجلّة في مقال حمل عنوان( ابن الذهبي كنز معرفي لعلم الطب التجريبي واللغوي ) استنادا إلى مقدّمة الدكتور هادي حمّودي “إنّ كتب الأقدمين لم تقدّم لنا عن هذا العالم الجليل إلا سطورا أربعة ، ذكرها المؤرخ ابن أبي أصيبعة في كتابه عيون الأنباء في طبقات الأطباء ص 497 طبعة صيدا/لبنان 1965” هو أبو محمد عبدالله بن محمد الأزدي، ويعرف ب(ابن الذهبي) أحد المعتنين بصناعة الطب، ومطالعة كتب الفلاسفة، وكان كلفا بصناعة الكيمياء مجتهدا في طلبها، وتوفي في بلنسية (من ديار الأندلس) في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وأربعمائة ، ولابن الذهبي من الكتب مقالة في أن ّالماء لا يغذو “.

وهو يعتز بصحار التي يقول فيها حين يتكلم عن صحار بكتاب الماء، فيصفها بـ” مدينة طيبة الهواء مشيرا إلى مولده بها في بيت هو :

بلادٌ بها شُدَّتْ عليَّ تمائمُي
وأوَّلُ أرضٍ مسَّ جلدي ترابُها

لكنّ أسمه الذي أطلق على الدورة 38 للمؤتمر العام لليونيسكو لعام 2015م تكريما له، لم ينل العناية التي يستحق في السلطنة، ولعلّ الاستثناء الوحيد هو الندوة التي نظّمتها اللجنة الوطنية العمانية للتربية، والثقافة، والعلوم التي أقيمت بجامع السلطان قابوس بصحار أواخر ديسمبر الماضي، ضمن جهود اللجنة في إدراج ابن الذهبي، و الطبيب، والصيدلاني راشد بن عميرة والموسوعي نور الدين السالمي، وغيرهم على برنامج اليونسكو للشخصيات المؤثرة عالميا، وكم كنت أتمنى تخصيص شارع باسمه، أو اطلاق اسمه على قاعة في متحف، أو جامعة، أو مدرسة، أو تسمّى دورة من دورات مهرجان باسمه، كما فعل مهرجان “أثير” الشعري، عندما أطلق اسمي العالمين الفراهيدي، وابن دريد على دورتي المهرجان السابقتين، انصافا لهذا العالم الكبير الذي يزن منجزه بالذهب.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: سندوتش المدرسة.. صدقة وزكاة

عدد المشاهدات = 6354 لا ينكر إلا جاحد ان الشعب المصرى شعب أصيل، شعب جدع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.