الجمعة , 3 مايو 2024

“رجل أمن”..قصة قصيرة بقلم منى النجم

= 3177

كانت في العشرين من عمرها استعاضت عن دوامها الصباحي بالمسائي لتلحق ركب أقرانها الذي سبقها طويلا بسبب أزمة ألمتّ بها جعلتها تترك المدرسة لست سنوات.
تخشى من الكلاب والمتسولين وسراق العواطف.
لذلك هي تحتاط كثيرا في ذهابها وايابها لمدرستها.
لا تثق بأي احد….وهذا بسبب جملة من الحكايات سمعتها من قريباتها اللواتي يترددن على امها لقضاء حاجة ما.
وفي كل خروج لها تكون قد احتاطت اكثر وأكثر.
ولكنها تلمحه ينظر إليها بشيء من الخباثة،
ذلك الشاب ذو الهيأة الرثة في شارع الطوسي
وهو يجلس ارضا يراقب المارة بعين رجل الأمن.
كانت تعتقد انه رجل مخابرات يختبئ في زي متسول
فكثيرة هي الحكايات التي سمعناها عن رجالات أمن يتسربلون الخرق ويسكنون الأزقة ويتعقبون كل شاردة وواردة، ويخفون أجهزة الارسال تحت المعطف الثقيل الذي يرتدونه صيف شتاء.
وكثيرة هي الأماكن التي تشتمل عليهم، فلم يكن متسع لحرية ما في شوارع تغصّ بهم.
لذا تنجز الناس اعمالها وهي تركض عائدة لبيوتها.
ولم يسلم منهم حتى العجزة وكبار السن والنسوة والاطفال.
فأنهم مسلحون بآذان ذات صيوان كبير بحجم اكبر طبق لاقط هذه الأيام. آذان تلتقط حتى عراك الشخص مع نفسه.

قررت ان تتجاهله ولا تنظر ناحيته علّه يكّف عن تعقبها بنظراته الحادة .
حياة بائسة بكل ما تحمله الكلمة
… والا ما معنى ان تسير فتتعقبك الآذان والنظرات المسمومة،
ناهيك عن ملاحقات دؤوبة من أطراف آخر كالشباب الطائش الباحث عن فرصة علاقة ما.
واكتظاظ المدينة بالعمال المصريين آنذاك في الثمانينات. قالت في نفسها لن استسلم ومضت تكمل خطواتها بثقل واضح.
فهي في أعتى درجات الخوف تتصّنع القوة والجبروت.
واذا كان قد تملكهّا الخوف عصرا فكيف بها وستعود بعد أن يسدل الظلام ستاره وتبدو المدينة شبه فارغة.

ان للكلاب حاسة معرفة هلع الانسان منه ، فلعل الرجل البوليسي يمتلك الحاسة ذاتها؟ هكذا سألت نفسها متوقعة.
أنها تخشى أن يكون شرطي أمن، واذا كان فهي ضمن النظام الطبيعي والسائد فلم ترتكب خطأ يعرضها للمساءلة.
واذا كان مجنونا فعلا…فهذا كل ماتخشاه.

واصلت سيرها غير مكترثة له ولما قاربت ان تصل محل جلوسه تحفز للقفز والهجوم
فأشاحت بوجهها عنه كي لا تراه وليحدث ما يحدث.
لكنها كانت تخشى أن يجّر عباءتها فيخجلها أمام الّمارة.
صخب الشارع المليء بالكسبة والباعة والمرتادين عاد لها اتزانها لعله يخشاهم فلا يجرؤ على الدنو منها.
أحسّت بدقات قلبها تنبض بحنجرتها.
وتفصد جبينها عرقا .
ولما تجاوزته بعدة خطوات وهي تحسب أنها نجت.
ثبّت فمه على أذنها ووشوش بكلمة بصوته الأجشّ
(عبائتك بها تراب).

—-

* قاصة من العراق.

شاهد أيضاً

“إجمع ما بقى من بقاياك”…بقلم نبيلة حسن عبد المقصود

عدد المشاهدات = 4912 حين يذهب الشغف في طيّات الفتور. ويستوي الأمران.من قربٍ وبعدٍ… حبٍ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.