السبت , 20 أبريل 2024

“تحت الحراسة” … قصة قصيرة بقلم د. محمد محيي الدين أبو بيه

= 1219

السكون يلف المكان وينفث دخان سيجارته وقد استغرق في التفكير ناظرا إلى السماء التي اختفى منها القمر فتبدو صامتة في بحر من الظلمة منعكسا بكآبته علي نفسيته المليئة بالأحزان..

فاليوم لأول مرة يحس بعدم الأمان كأنما يعيش دون غطاء وتتلقفه الأعاصير من كل الأنحاء
وتمور به مورا في الفضاء دونما أي مقاومة منه وتنسل روحه تاركة جسده الملقى دون حراك فيجمد مكانه كصخرة تراكم عليها الصدأ لا تجد من يكشف ما عليها من طبقات عفنه التصقت بها فزادتها قبحا..

تتوالى كشافات أضواء السيارات المارة بالطريق مزيدة تشوشا نابعا في ذهنه فلا هي تكسر الظلمة ولا تبقي على لحظات السكون التي تكتنفه. فحاول أن يتفادى النظر إليها مثلما الطائر الذي يخشى شرك الصياد. لكنه لا يفلح
أخذ يبحث عن بقعة يمكث فيها وجاوز كل المقاعد الموضوعة علي جنبات الكورنيش يلتمس فيها هدوءا ووجد ضالته بقطعة حجرية كأنها تنتظر مجيئه فأخذ ينفض ما عليها من غبار وجلس ينازع خروج روحه..

الأحداث تترى والمشاهد تتقافز أمام عينيه المسلوبة اللمعان والغائرة تحت ظلال من السواد… فقد سادت حياته الأفراح والنجاحات والانتصارات حتى وصل إلى ذروة يبتغيها كل ذو طموح فوالده أسس له ولإخوته شركة فاقت نظراءها من شركات تجارة الحديد بمنطقة السبتية..

وبعد تخرجه من كلية التجارة كان الذراع اليمنى لوالده في كل شيء لذا اعتمد عليه والده في كل ما يخص تجارته الرائجة وفضله عن باقي إخوته الثلاثة الآخرين.. ومع ذلك فكل من إخوته شق طريقه بمجالات أخرى الطبيب والمدرس بكلية الآداب والذي سافر لدولة أوروبية ليكمل دراساته ثم استقر هناك..والأخير صحفي..

ويأتي مشهد وفاة والده الذي مات بين يديه وقد خمد الجسد النابض النشيط الذي كان يملأ الدنيا حراكا وحيوية والعويل ينزع المكان نزعا والبكاء أغرقت به العيون والسواد عم البيت… التفت حوله فوجد نفسه وقد قسمت لنصفين نصف يأكله الحزن لوفاة والده والنصف الآخر يدور في فلك ما آل إليه من كل شيء تركه والده هل سينفرد به وحده أم ستشاركه فيه أياد أخرى لم تبذل أي مجهود فيما وصلة إليه الشركة من ازدهار ونمو…؟

مرت أيام الحداد وكما يقولون ذهبت السكرة وأتت الفكرة… فجمع موظفي الحسابات وأبدل الدفاتر ومسح بيانات أجهزة الكمبيوتر وأنزل بدلا من معلومات جديدة..

وبحركة فيها نوع من الحق اتصل بإخوته ليبلغهم برغبته في تقسيم الميراث وأنه لا يمانع في اطلاعهم علي حسابات الشركة وإعطائهم ما يريدونه وتنفيذ طلباتهم بخصوصها إذا كانوا يريدون استمرار مشاركتهم فيها أو أن يتحمل قيمة نصيب كل فرد ويشتريه منه..

تجاوب الثلاثة مع كلامه وفضلوا جميعا الانسحاب بنصيبهم لأن كل منهم مشغول بما فيه من عمل.

هكذا انتبذ بالشركة واستحوذ عليها لنفسه.. وأصبح ملك إمبراطورية جديدة صنعها ببعض من ذكاء شيطاني وتواطؤ من موظفي الشركة فقيمة ما أعطى لإخوته من نصيبهم لا يوازي نصف حقهم.

وعندما اختلى بحاله رأي أن عليه أن يكفر عن استيلائه على أموال إخوته أن يفعل شيئا لله وفي ذات الوقت يستفيد منه.. وكان في تلك الفترة نشاط الجماعات الدينية علي أوجه فتبلورت فكرة انضمامه إلى الإخوان المسلمين في عقله فأخذ يتقرب إلى كبرائها وكان نشاطها دعويا.. وأيضا الحكومة تسمح لها بدخول الانتخابات فتزينت الفكرة تماما وأصبح فعلا أحد كوادرها بمنطقته..

لمع نجمه وسطع في عالم رجال الأعمال تغلفه العباءة الدينية أطلقوا عليه رجل التقوى والإيمان وأنه صاحب دين.

وهكذا أتت إليه الدنيا وبدا كأنه قد دانت له الآخرة وشجرته أصبحت متينة الجذور وأوراقها مخضرة وثمارها طيب أكلها..

بنى “مستوصف” يعالج به الفقراء وجعل أخيه الطبيب مسئولا عنه… وأشرف علي دعايات الجماعة من أخبار وخلافه بواسطة الأخ الصحفي… وأستغل تواجد الأخ الثالث بأوروبا ووطد علاقته بأخوان الخارج عن طريق إرسال بعض المعونات لهم. وأيضا تلقى منهم أموالا لتنفيذ مشروعات لهم بالوطن تكون مهدا لتواجدهم بعد ذلك.

السيطرة تلك جعلته يدخل مجلس الشعب من ضمن الذين ترضى عنهم الحكومة من الإخوان وتسمح بتواجدهم بالساحة السياسية.

مرت السنون وأتي عام تغيير النظام وانقلب الحال بالبلاد وزاد الهرج في تلك الأيام. واستكان هو حتى يعرف أين ستكون الدفة إلى أن استتب الوضع وأتى الحظ إلى جانبه فالحصان الذي راهن عليه من سنوات فاز بقصب السبق وأمتلك زمام الأمور فأحس برضاء الله عليه وأن ما فعله من الاستيلاء على الثروة قد عفره بل وزيد عليه سلطة حكم جديدة.

وأسندت إليه مهمة جديدة ذات تأثير وعلت مكانته بالبلاد..إلا أن الرياح لا تأتي بما تشتهي السفن… فقد ثار الشعب على تنظيمه وكان هذا المشهد الذي فيه ضاعت أحلامه وتحطمت.

الصريم.. هي الكلمة التي تطن بأذنيه الآن … لماذا… لأنها هي المصير الذي استيقظ عليه هذا الصباح… فقد وضعت شركته تحت الحراسة وممنوع من دخولها…!

نحن الآن معه في المشهد الأخير..وقد أصبح قيد الريح ويواجه ما اقترفت يداه وأمامه النيل بدواماته… فهل يكون هو الحل؟

شاهد أيضاً

الجمعة المقبل.. افتتاح جناح سلطنة عُمان في بينالي البندقية الدولي للفنون 2024

عدد المشاهدات = 3450 مسقط، وكالات: تشارك سلطنة عُمان يوم الجمعة القادم بجناح في الدورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.