الجمعة , 29 مارس 2024

“وجع”…قصة قصيرة بقلم نهى عراقي

= 4436

كعادتها متألقة ومبهجة وفي قمة أناقتها وسحرها وطلتها الجذابة  حينما دخلت قاعة الأفراح التي  بها زفاف إبنة إحدى صديقاتها التي كانت معها منذ سنوات في إحدى الدول الأوروبية، و كان معظم الحضور صديقات الغربة و التففن حولها لتقديم التحية و الأشواق و فرحتهن برؤيتها و إعجابهن بجمالها الذي يزاد مع تقدم العمر و أنها مازلت بنضارتها و أناقتها  و إبتسامتها التي طالما عرفوها بها سنوات طويلة.

جلست فريدة وسط الإحتفال و البهجة… لكتها سرحت و شردت بعيدا  وكأنها حلقت في الفضاء أو إنتقلت عبر فجوة زمنية عادت بذاكرتها البعيدة  لأكثر من عشرون عاما وتذكرت ما حدث معها في عام واحد مالا يحدث مع إنسان في عشرون عام،  من وفاة أمها و خراب بيتها، و إنهيار مادي لعائلتها، وإنقلاب حياتها رأسا على عقب.

و تذكرت أول لحظة و أول وهلة عندما وطأت قدمها تلك البلد الاوروبية الساحرة بلد الإغتراب و تلك اللغة التي لم تفهما،  تتذكر روعة الأماني و الأحلام التي رسمتها ولونتها بأجمل الألوان لمستقبل مشرق و حياة وردية، وكم أنها كانت خيالية و أن الخذلان كان هو مكافئتها في نهاية طريق الكفاح.

و تركها لأهلها ووطنها الحبيب،  و أمها الحنون،  تركت كل شئ لتكون بجانبه في الغربة و كانت معها طفلتها الوحيدة تبلغ من العمر ثمانية أشهر وكان عمرها هى عشرون عاما، لم تكمل دراستها ولم تتقدم لأي عمل فهو لا يريد ذلك، تركت كل شئ من أجله وأجل بيتها، لتكون بجواره في تلك البلد الغريب و تتذكر

حينما خلعت حُليها كي يدفع ثمن تأشيرة السفر و التذكرة و باقي الإجراءت كي يسافر و يبني مستقبلا أفضل و حياة سعيدة،  و سافر و اكرمه الله بالحصول على إقامة لتلك اليلد و استلم مسكن من الدولة،  بعد عام من سفره، ثم قدم لها و للطفلة على دعوة كي يسافرن له و قد كان لهم ما تمنوا، تتذكر كل أيام الغربة بحلوها و مرها و الظروف الصعبة التي مرت عليهم هناك وأيضا الظروف السعيدة.. و الطفلة تكبر وتكبر حتى وصلت سن السادسة عشرة كانت طفلتها الوحيدة فهى لم ترزق غيرها إرادة الله عز وجل،  تتذكر عندما عرضت عليه الزواج و كل منهما يذهب لحاله حتى ينجب إذا شاء رفض الزوج بكل إصرار

قالت له مازلنا في سن صغيرة كل منا أمامه الحياة لكنه اعلن أنه متمسك بها،  و لم يريد إمرأة غيرها في حياته قالت له لن أعرض عليك مرة أخرى لكن إذا حدث يوما ما سيكون الحساب لن تتوقعه،  و اكملت معه رحلته من الكفاح و مراحل إنكسارات و خسائر و أحيانا مكاسب و إنتصارات حتى اكرمه الله في النهاية ورزقه رزقا واسعا، وهنا بدأ المعدن يظهر على أصله فالشئ يعود دائما لأصله، بدأ يسمح لأخيه الأكبر بالتدخل في حياتهما  ويكتب بإسمه كل شئ حتى الشقة التي إشتروها أيام الغربة حتى السيارة أيضا الأراضي التي تقدر بملايين، و هى و إبنتها لا يملكون شيئا،  كانت ترى بخله عليها طيلة تلك السنوات لكنها كانت لاتقف عندها حتى تمر الحياة من أجل إبنتها، و كانت المكيدة حينما أقنعها أن تعود للوطن حتى تتمكن إبنتهما من إكمال دراستها هناك و عندما عادت عاد بعدها و بحيلة و دهاء أخذ منها ميراثها من والدها على سببل السلف حتى ما تبقى معها من حلى كان أخيها أهداه لها و طلب منها الإقامة الأوروبية بحجة أنه سوف يقدم على سكن جديد وأنه سيرسلها لها مع أحد الأصدقاء بكل سذاجة منها أعطته كل ما طلبه، ثم قام بإفتعال مشكلة و همية وترك المنزل و ذهب عند أخيه و بعد محاولات منها حتى يعود و ذهبت إليه وعاد معها لمدة ليلة و احده و كانت آخر ليلة.

فوجأت به في الصباح يغادر البيت ثانيا و بعد أيام قليلة علمت أنه تزوج و تركها و إبنتها دون نقود أو مصاريف و كانت و الدتها مازالت على قيد الحياة كانت تساعدها ماذا تفعل بعد كل ذلك العمر و سنوات بعيدة عن الوطن ماذا لها أن تعمل لم تجرب العمل في حياتها.

و يعيش هو حياته حيث  أنجب،  ثم تزوج مرة ثانية و لم يلتفت له بال أن إبنته في مرحلة من أصعب مراحل حياتها و مفترق الطرق أمام مستقبلها الدراسي و كانت في الثانوية العامة و تحمل نفقاتها إضطرت لرفع دعوى خلع حتى تتمكن من الحصول على معاش والدها، كل تلك الأحداث تتذكرها فريدة تتذكر عندما خرجت للحياة كي تعمل بجانب المعاش حتى تلبي إحتياجات إبنتها و كم من أهوال الحياة و ذئاب البشر التي لا ترحم، حتى والدتها توفت،  و تمر السنوات وهو لا يعرف شيئا عن إحتياحات إبنته النفسية و المادية كل ما يفكر به أنها رفضت أن تعيش مع زوجاته، و أنه حاول أن يعود لفريدة مرة أخرى لكنها آبت،  فكان يعاقب إبنته بإهماله،  ويطردها من جنته كما يخيل له.

لم يتوقع قوة فريدة و إرادتها في مواجهة الحياة وحدها، فقد أكملت دراستها، ووقفت طلاتم أمواج الكد والتعب ولم تنحني و لم تتنازل عن كرامتها، و تخرجت إبنتها من اليسانس، دون الإحتياج له.

إلى أن آتى اليوم المعلوم و طلب أن يرى إبنته لأخر مرة في عمره فقد أصيب بمرض الموت و دخل العناية المركزة وكان يبكي و يقول أريد إبنتي أول فرحتي وعندما ذهبت الإبنة لم يشعر سوى بصوتها لم يرها فتبسم و فاضت روحه لخالقها، مما أبكى الأطباء و الطاقم و نزلاء المستشفى من الموقف و صراخ الإبنة وهى تنادي عليه يا بابا يا بابا، اتصلت بإمها وأبلغتها الخبر، فذهبت مسرعة لها للمستشفى و كان ترتيب الله أن تمشي فريدة وراءه إلى مثواه الأخير لا أحد من  زوجاته و لا أخيه فقد أصيب هو الآخر بنفس المرض وكان طريح الفراش.

هى أول من رأته و هم يضعوه في الإسعاف، و رأت وجهه بعد أن غسلوه و رافقته حتى أدوا صلاة الجنازة عليه.

مازالت تتساءل هل أراد الله أن تودعه كما بدأت معه؟

أم أن روحه متعلقة بها أم يطلب منها أن تسامحه؟

لما أراد الله و جودها بجانبه و تكون الأولى والأخيرة في  وداعه؟

شاهد أيضاً

أوبرا غارنييه … جولة في دار الأوبرا الفرنسية بباريس

عدد المشاهدات = 915 بقلم الكاتبة/ هبة محمد الأفندي دار الأوبرا الفرنسية بباريس المعروفة بأوبرا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.