الجمعة , 19 أبريل 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: ضمادٌ عمانيّ لـ”دم الأخوين”!

= 1317

razak


عندما سمعت للمرّة الأولى باسم شجرة " دم الأخوين" التي تنبت في جزيرة" سقطرى" اليمنيّة، شعرتُ بقشعريرة، من جرّاء المفارقة في تركيب اسم الشجرة المقدّسة لدى الفراعنة، والآشوريين،والحميريين، فالأخوّة رابطة محبّة، وانسجام، وليست  صراعا، واقتتالا، وجمع مفردة (دم) بـ(الأخوين) في تركيب لغوي واحد يتضمّن مفارقة موجعة، وهذه المفارقة لم تأت في سياق لعبة لغويّة، بل ولدت من رحم الأسطورة التي استقت منها الشجرة اسمها، ويعود إلى الدم الذي سال بعد خلاف نشب حول قربان بين الأخوين: قابيل، وهابيل، ويقال أنهما أوّل من سكن تلك الجزيرة النائية وسط البحر، فشهدت وقوع أول جريمة في التاريخ، وولادة أوّل قبر، بعد درس  تطبيقي تعلّمه قابيل من الغراب، فسقطت قطرات الدم، على الأرض، فنبتت – حسب الأسطورة – تلك الشجرة التي ما أن تجرحها بالسكين، حتى يتدفّق سائل يشبه الدم، من جرح الشجرة، هذا السائل يتجمّع، ويستخدم لمعالجة الكثير من الأمراض، وبعيدا عن الأسطورة، والشجرة التي وقفت عندها قبل سنوات، عندما زرت، ضمن وفد أدبي على رأسه الكاتب الألماني جونترجراس، (سقطرى) التي شهدت واقعة تاريخية حدثت في الفترة (237-272هـ) عندما هاجمها الاحباش، وكانت تابعة لعمان، فقتلوا الوالي العماني، واستباحوا حرمات أهلها، فاستغاثت  الشاعرة (الزهراء) بالامام الصلت بن مالك الخروصي بقصيدة مطلعها:
 قل للامام الذي ترجى فضائله ابن الكرام وابن السادة النجب

وبقيّة القصّة معروفة، فحين سمع الامام استغاثتها، وبلغه ما فعل الاحباش أرسل سطولا من ثمانين سفينة فحاصر الجزيرة، وأنزل الهزيمة بالمعتدين، فكانت نجدة الإمام العماني ضمادا لكرامة أهل الجزيرة التي لا تنبت شجرة(دم الأخوين) في أيّ مكان آخر من العالم سواها !

ومنذ الجريمة الأولى، ونزيف الدم بين الأخوة –الأعداء يتدفّق بغزارة، وصار مشهد قطع الرؤوس مألوفا، كما تنقل وسائل التواصل الاجتماعي،  وظلّ دم الأخوة يسيل في أماكن كثيرة من عالمنا الذي يشهد صراعات، وحروب طائفيّة، ونزاعات، بين مسلمين تناسوا ما جاء في الأثر الشريف "المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يسلمه"، و" بحسب امريء من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم  حرام دمه، وماله، وعرضه".

وبالمقابل لم تغب الحكمة عن ساحة  الصراع، ليس اليوم ، بل قبل أن يسقي "دم الأخوين" جزيرة (سقطرى)،  فكما جاء في محكم كتابه "لئن بسطت إليّ يدك  لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين"  (28سورة المائدة)، وهذا هو ما جعل طرفي المعادلة متعادلين.

من هنا تأتي سعادتي بخبر الاتفاق على وقف إطلاق النار في حرب اليمن، الذي أعلنه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الثلاثاء الماضي، لحلّ الصراع الذي " أسقط حتى الآن أكثر من عشرة آلاف قتيل ،وشرّد ما يزيد على ثلاثة ملايين آخرين في حرب مستعرة منذ عشرين شهرا" حسب الإحصائيّة التي تناقلتها وكالات الأنباء العالمية، وجاء ذلك بعد سعي السلطنة لجمع الأطراف، من أجل إحلال السلام في المنطقة، لتخرس أصوات المدافع، ويتوقف القصف، ويصمت أزيز الرصاص، وينتهي الصراع الدائر بين الأخوة، فالجميع يدرك أنّ الحروب لا تحلّ نزاعا، بل تؤزّم الأوضاع.

وقد جاءت جهود السلطنة لنزع فتيل الحرب، وتلطيف الأجواء، انطلاقا من سياسة ثابتة تنتهجها وضع أسسها جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه-، بتبنيها مواقف السلم، والحوار الهاديء، لانهاء الأزمة نظرا للعلاقات الوشيجة التي تربط العمانيين باليمنيين، وهي ليست فقط علاقة جوار، بل قرابة، ومصاهرة، وأن عمان منذ بداية الأزمة، وعلى مدار تاريخ الأزمات السابقة منذ السبعينيات حتى اليوم، تلتزم النهج السلمي، وتنطلق من مبدأ المصالحة، وتخفيف حدّة التوترات، فسارعت إلى استضافة مفاوضات، ومباحثات، كونها تقف على مسافة واحدة من الجميع، ومن المفرح أن وقف اطلاق النار، جاء متزامنا مع  احتفالات السلطنة بالعيد الوطني، ليصير العيد بعيدين، وهو عيد له نكهة خاصة، كونه جاء بعد تضميد نزيف "دم الأخوين"، واطلالة جلالته البهيّة خلال رعايته السامية للعرض العسكري لتكتمل أفراح وطن السلام ، والتسامح، والحكمة الساعي قدما إلى الأمام.
 

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: صلاة الرجال مع النساء.. باطلة!

عدد المشاهدات = 3566 نشر فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب على صفحته الرسمية على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.