الجمعة , 29 مارس 2024

ريم خيري شلبي تكتب: بابا عبده بيعمل زى الناس!

= 882


قصة قصيرة بقلم: ريم خيرى

طلبت منها أمها أن تنزل لشراء ملح للطعام من بابا عبده البقال القريب من المنزل الذى فتح دكانه من وقت قريب وطلب من الأولاد أن ينادوه بإسم "بابا عبده"، بابا عبده ليس من سكان الحى ولا حتى من حى قريب، كان من رجال القوات المسلحة الذين يخرجون على المعاش فى وقت مبكر دون معرفة حقيقية للسبب، ولكنه يأخذ مبلغ محترم كمكافأة على مدة الخدمة ومعاش لا يقارن بمعاش موظف الحكومة العادى الذى يقضى فى الخدمة أكثر من نصف عمره.

 المهم أن "بابا عبده" الرجل الشيك الذى يأتى يوميا من مصر الجديدة للمعادى ليفتح محل شديد التواضع من باب التسلية كما كان يقول، ويجلس أمامه مع صديقه صاحب المنزل الذى به المحل والذى كان زميله أيضا فى القوات المسلحة، مع الأيام كبرت الصحبة وتوسعت حتى ضمت تقريبا معظم رجال الحى، يجتمعون على صندوق الطاولة وأكواب الشاى.

"بابا عبده" كانت تبدو عليه الوجاهة ولكنه لا يتحدث كثيرا عن نفسه ولا عن أسرته، كان يتحدث بلباقة وبلكنة أبناء الأحياء الراقية، وكونه خدم فى القوات المسلحة زاده هذا إعتزازا بنفسه إمتزج بالغرور أحيانا، عندما يُغلق صندوق الطاولة ويبدأ بابا عبده فى الحديث حول أهم ما يُشغل الرأى العام فى تلك الأيام الكل ينصت فى هدوء القردة المذعورين، وعندما يؤكد لهم أنه يعلم كواليس الموضوع أكثر من الجريدة التى كتبته يجب أن يصدقه الجميع، وعندما يخبرك أن له فى كل خرابة فى هذه البلد عفريت !! من يقدر أن يكذبه فهو غريب عن الحى ولا أحد يعرفه ..

أما عن علاقتنا نحن أطفال الحى ببابا عبده فهى علاقة لطيفة جدا لأنه بائع الحلوى وسبب تحريرنا من قيد المنزل ولو لدقائق لفرتكة المصروف اليومى الذى نأخذه من أهلنا، والذى كان ثابتا ومتفق عليه يزيد كل فترة زمنية طويلة بعد الزن والإلحاح و كان له متعة خاصة أقوى من متعة الحصول على أول راتب شهرى من أول وظيفة فى حياتك، أما ما كان يزعجنا فى "بابا عبده" هو عندما يقابلك مع أمك مثلا وأنتم مارين من أمامه أو قاصدين دكانه لشراء شىء ما ويرغب فى إطالة الوقفة لبعض الوقت فتكون أنت حجته حيث يمسك بك ويبدأ فى إستعراض لغته الإنجليزية التى تعادل لغة طفل فى كى جى وان من أبناء هذا الجيل ويبدأ فى سيل من الأسئلة عن ماذا تدرس من لغات فى المدرسة وهل تعرف معنى الكلمة الفلانية أم لا وما إلى ذلك ،،

ظل بابا عبده علامة من علامات الحى ولم يشعروا أنه غريب إلا فى فترة غلق المحل لوقت طويل ولا أحد يعرف السبب، حتى إجتمع الرجال وطلبوا من صديقه أن يسأل عنه، وعلموا أنه إصيب فى حادث سير أثناء قدومه للمحل فى يوم ما وتكسرت ساقه تماما وظل المحل مغلقا لشهور طويل حتى عاد من جديد يسير على عكاز، ولكنه سعيد جدا رغم ذلك أنه لم يأت بابا عبده جديد ويأخذ مكانه.

وعادت أمها تطلب منها شراء كيس من الملح أو زجاجة من الزيت بسرعة من "بابا عبده" حتى ذهبت ولم تجده فى المحل ووجدت أخت صاحب المحل السيدة التى لا يعرف أحد إن كانت عانس أم أرملة فهذه الأسرة شديدة الكتمان المهم أنها ليست صاحبة زوج وأبناء وتشبه أخاها كثيرا، كانت تجلس أمام المحل فى شبه حراسة وسألتها : أين "بابا عبده"؟, أخبرتها أبلة "خديجة" : بيعمل زى الناس ..

هنا وقفت ذاهلة تماما لا تعرف ما هو الشىء الذى ذهب "بابا عبده" ليفعله زى الناس، ولكنها انتظرته حتى أتى وأخذت ما طلبته أمها وذهبت، لتتلقى السباب والضرب على التأخير وهى تبكى أخبرت أمها بصوت خفيض خجول خائف من أن يكون ما سوف تنطقه عيبا ..أصل بابا عبده كان بيعمل زى الناس.. إستغربت لكون أمها لم تغضب من الكلمة ولم تنهرها وإنتظرت حتى هدأ الموقف وذهبت لأمها وسألتها : يعنى إيه بيعمل زى الناس يا ماما؟ ردت الأم فى إبتسامة يعنى بيعمل "ببى".

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: سندوتش المدرسة.. صدقة وزكاة

عدد المشاهدات = 7153 لا ينكر إلا جاحد ان الشعب المصرى شعب أصيل، شعب جدع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.