الجمعة , 29 مارس 2024

مرفت العريمي تكتب: لكمات افتراضية!

= 1837

Mervat Oraimy 2


في العالم الأثيري  الذي نفترضه  يرسم البعض شخصياته كما يريد ويختلق أسماء من نسج الخيال أو كما يتمنى أن يكون في الواقع الذي يعجز أن يعيشه كما يريد.. والبعض الآخر  يتخذ من هذا العالم فضاءا يوتوبيا  يستطيع أن يسبح  فيها بحرية ويعبر بما شاء من خلف ستار الافتراضي.

إنّ أجمل ما قدمته لنا شبكات التواصل الاجتماعي هي الكم الهائل من المعلومات من مختلف بقاع الأرض  وعلى مدار الساعة وأصبحت منبرا للتعبير عن الآراء والأفكار والمشروعات وتسويقها  كثيرون يشكلون شبكات من العلاقات الاجتماعية  تتطور إلى علاقات في الواقع الحقيقي.

 في الوقت الذي وفرت فيها شبكات التواصل الاجتماعي  مساحات كافية للتعبير والنقاش تنمي مهارات الحوار والنقد البناء اتخذ البعض منها منبرًا  للتعبير المطلق عن الآراء  دون  تشذيب  أو تقليم.

 كما يقوم بعض من الناس باعتبار أي  إعجاب افتراضي  يعبر عن  الاتجاهات الواقعية  للشخص  بل  يقوم البعض بحذف أصدقاء افتراضيين لو لم يعجبوا بأفكارهم  أو اختلفوا معهم في مشاركاتهم الفيسبوكية أو التويترية علما بأن الاختلاف في الرأي يثري النقاش لذلك انطلقت مجموعة من الحملات  للتوعية بوقع الكلمات المسيئة والقاسية على النفس والبشرية  صورت الكلمات القاسية على شكل ندوب وجروح تصيب الإنسان  كالحملة الذي أطلقها الفنان ريتش جونسون بعنوان "سلاحك المفضل"  للحد من اختيار الكلمات المسيئة.  

 يقول الباحث مارك والدلمن والباحث اندرو نيوبرج في كتابهما  "الكلمات  بامكانها تغيير  عقلك" إن انتقاء الكلمات الإيجابية أثناء الحديث أو الكتابة والتواصل مع الناس  يغير من الطريقة التي نرى بها العالم وبالتالي ينعكس على تصرفاتنا وسلوكياتنا وقرارتنا.  فقد أثبتت الدراسات  أن 95% من  الزبائن  يتخذون قرارا بالاستمرار التعامل مع شركة ما  أو التخلي عن التعامل معها نتيجة  لتجربة  تواصل مع  موظفي خدمة الزبائن فإن كانت كلماتهم  إيجابية وداعمة  فإنهم يعودون مرة أخرى للتعامل مع الشركة والعكس صحيح.

على الرغم من أن الكثيرين يعتبرون العلاقات التي تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي علاقات سطحية  ولا تتمتع بالعمق الكافي فقد سجل خبراء في علم النفس نتائج جديدة  حول تأثير الواقع الافتراضي على المشاعر إذا توصل الباحثون إلى أن جرح المشاعر الافتراضية   كالتجاهل أو الضغط على رز عدم الإعجاب في الفيسبوك لها نفس تأثير جرح المشاعر  الحقيقية.

وفي الوقت الذي نتحدث فيه عن ضرورة التسامح ومنح الفرص  نغلق أبواب الأمل  بأيدينا وأمام كل تائب، فالاعتذار أن جاء متاخرا لن يشفي ندبات الجروح، لكنه يفتح باب الأمل  تحضرني قصة عن واحدٍ من الناس أساء إلى صديق له بكلمة جارحة  فندم واعتذر له  وفوق ذلك ظل يشعر بالندم  وأراد أن يمحو أثر كلماته القاسية كي يستريح فذهب إلى حكيم  لأخذ النصيحة  فقال له الحكيم: إن أردت أن تستريح إملاء جعبتك بمسامير وثبت مسمارا على  أسوار كل بيوت القرية  فاستجاب وقام بذلك ثم عاد إلى الحكيم فقال له اذهب الآن وأزل كل المسامير التي ثبتها فإن لم تجد  لأحدها أثرا بعد اقتلاعه  فستعود كلماتك القاسية إليك  ثم قال له  ما أخفَّ أن تدق المسمار لكن ما أصعب أن تقتلعه .

 حين تنطلق الكلمات كاللكمات  تصفع متلقيها أو تجرح مشاعره  في الواقع الافتراضي غير الواقعي  عندما تتحول الكلمات إلى كرات ملتهبة تحرق كل من يقف في طريقها حينها  تتحول اللغة من فن للتواصل والتعبير الانساني  وتشذيب الألسن إلى سلاح  مدمر للقيم الأخلاقية. فهل بات العنف اللفظي سمة للتعبير عن حريتنا  وهل أصبحت الكلمات الإيجابية المليئة بالأمل الباحثة عن غد أفضل  ضربا من النفاق وهل باتت القيم التي تعلمناها من الكتب السماوية في  تقديم حسن الظن  على سوءه  جبن وخوف؟ أم هو انعكاسٌ لملامح الواقع المحيط بنا والذي يسوده  الكثير من العنف والخلافات والقليل من التسامح. 

تشعر أحيانا وأنت تراقب مقتطفات من العالم الافتراضي  كأنك تشاهد من  يسير على حقل من ألغام مرتديا سترة ضد رصاص الكلمات، فقد بات الاذى والتجريح  والانفلات اللفظي شيء طبيعي، وذو طعم  حلو  متناسين أن وقع الكلمات اقوى كثيرا من الرصاص وأن من نجرحهم ليسوا سواءً أشخاص اجتهدوا  وعبروا فأصلحوا تارةً وأخطأوا تارةً أخرى وكلنا نخطىء  بقصد أو غير قصد، فلا وجود لمجتمع أو مؤسسات  أو بشر بلا أخطاء  ولا يمكن أن  نتوقع  أن هناك  بشر لا ينتقدون  فالاختلاف  والجدال سمة طبيعية في الحياة إلا أن النقد الصحيح  يهدف إلى البناء وتقديم حلول لمشكلات، فأطلق العنان لأفكارك البناءة كي تساهم في بناء مجتمعك  بما تضيفه من بلسم الكلمات.

———–
* مديرة مركز الدراسات والبحوث بمسقط.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: سندوتش المدرسة.. صدقة وزكاة

عدد المشاهدات = 6935 لا ينكر إلا جاحد ان الشعب المصرى شعب أصيل، شعب جدع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.