الجمعة , 19 أبريل 2024

مرفت العريمي تكتب: طريق المسؤولية

= 1611

Mervat Oraimy 2

كلنا يحلم بحياة بلا مسؤولية يتحملها  حول اختياراته، أو قرارته  ونسوق الذرائع، والتبريرات عندما نتخلف عن إنجاز عمل معين، علما بأن النواميس الكونية والقوانين العرفية كلها تتفق على أن التخلف عن القيام بالمسؤولية تتبعها الجزاء والحساب كما إن بلوغ السعادة والسكينة والطمائنية لا يتحقق إلا في حالة تحملنا للمسؤولية الكاملة.

إنّ جوهر الحياة  مسؤولية، وقليلون يدركون معناها وكثيرون  يخشون من نتائجها، والعقلاء من يتجنبون عواقبها. ويعبر جونسون عن مفهوم المسؤولية فيقول " عندما يتسلم المرء مسؤولية عامة  فهو قد أصبح مِلْكًا للجميع" أي إنه مسؤول أمام العامة في كل ما يفعله وقدوة لهم.

لذلك تم تقنين المسؤولية لحماية المؤسسات والمجتمعات من جموح اللامسؤولين. وإذا ما بحثنا وراء أي إخفاق في هذه الحياة  لوجدنا أن ما حدث كان نتاجا عن خلو المسؤولية من عناصرها الرئيسة أو شروطها الفعلية، فالمسؤولية كمبدأ فلسفي جاء بها هانس جوناس في السبعينيات من القرن الماضي في أوج الحرب الباردة والانفتاح  الاقتصادي والدبلوماسي والتطور النووي  كمحاولة لبحث أزمة الإنسان المعاصر وإيجاد  ضوابط غير القيم الأخلاقية التقليدية تحد من جموح وشرور  الإنسان وحماية الكون والبشرية من خطره لأن القيم الأخلاقية لم تعد رادعة للفعل اللامسؤول. فالإنسان يعد خطرا على نفسه وعلى مجتمعه لو استخدم المسؤولية في غير محلها، والكوارث الطبيعية والأزمات والحروب ما هي إلا نتائج عن سوء استخدام المسؤولية.

والمسؤولية والجزاء مبدأ أخلاقي صرف،  مادام الإنسان يمتلك حرية الإرادة كذلك يتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه  ويتحمل الجزاء فإن فعل خيرا فله مثله وإن فعل شرا فيتحمل وزره.

وإن أمعنا  النظر في فلسفة الكون وخلق الإنسان  نجد أن هذا المبدأ عنصر أصيل في المنظومة الكونية  فهي لازمة من لوزام الحرية  لأن الحرية تعني القدرة على الاختيار  والمفاضلة بين عدة خيارات ولا يعد الفرد مسؤولا إن حُرِمَ من حريته سواء أكانت القيود من داخل الإنسان أم من خارجه مكتسبة من التربية وعادات المجتمع وقيمه.

وهناك خمسة  شروط وضعها الفارابي لاكتمال إدارة المسؤولية  وهي أن يتمتع الفرد بجودة الذهن  والإدارة الحرة المختارة والتحرر من القيود المقيدة للحرية وإداراك الغاية وإدراك الجزاء المترتب على القيام بالفعل، وإن انتفت أحد الشروط السابقة فإن المسؤولية تكون منقوصة  ويعد الفرد غير مؤهل للمسؤولية.

ويعتبر من  المسؤولية  أيضا إلقاء المسؤولية على الآخرين الذين لا يرغبون في تحملها  الذين لا يمتلكون المواصفات المناسبة  فللمسؤولية مؤهلات ومعايير يستوجب توفرها في الفرد كالقدرة على الاختيار واتخاذ القرار المناسب والمعرفة الكافية والكاريزما .

وتتعدد أنواع المسؤولية بين مسؤوليات عامة وخاصة فالعامة هي أن يتولى الفرد مسؤولية تخص الآخرين  ويتخذ قررات نيابية عنهم  وهذا النوع يحتاج إلى  وعي ونضج وهمة وكاريزما خاصة  التي تكون ذات طابع التفكير الجمعي  ويتوافق مع المسؤولية الملقى على عاتق الفرد، أمّا الخاصة فهي المسؤولية التي تخص حياتنا.

فعلى سبيل المثال فإن اختار الفرد تخصصا علميا في مجال الطب بناء على رغبات الآخرين  فهو يتحمل مسؤولية إخفاقه الدراسي أو تعاسته الوظيفية وليس الآخرين، والمدير الذي يتخذ قرارات أدت إلى تحقيق خسائر للشركة يتحمل مسؤولية ذلك الإخفاق بالجزاء المناسب، يقول برناد شو  "إن الحرية تعني المسؤولية لذلك يخافها معظم الناس".

لقد  ارتبط مفهوم المسؤولية بالحرية  فلا مسؤولية بدون حرية الاختيار  ولا حرية  القرار  بدون مسؤولية ، وبتوازن بين كِفَّتَيّ الحرية والمسؤولية نصبح في أمان. إما إذا ما اختلَّت إحدى  كِفَّتَيّ الميزان فإننا سوف نغرق لا محالة في داومة من الفوضى  يقول أوشو  "إن أول خطوة  للحرية هو أن تتوقف عن إلقاء المسؤولية  على الآخرين"   لذلك يستصعب الكثير من الناس تحمل نتائج المسؤولية وذلك بإلقاء اللوم على الآخرين أو الظروف عندما تخرج الأمور عن نطاق السيطرة ، علما أننا كلنا مسؤولون ونتحمّل اختياراتنا وقرراتنا .

والمسؤولية كمبدأ أخلاقي في المقام الأول لها شق ذاتي وآخر قانوني، وبمعنى آخر فإن المسؤولية الواعية تُبنى على أسس قيمية أخلاقية وقانونية عرفية يلتزم بها الفرد حتى لو لم تتفق مع رؤاه، أما  عند الليبراليين  فإن  الفرد يتمتع بحرية الاختيار  والانفتاح المتوازن مع  المواطنة و يتحتم عليه أن يحافظ على حياته وحياة الآخرين  مراعاة لمصلحته ومصلحة الآخرين  من حوله فهي عمليه تكاملية  وتشاركية في الوقت نفسه فإنْ  لم يشكل الأخلاق  دافعا كافيا للقيام بالمسؤولية  يصبح القانون هو الرادع  للحفاظ على سلامة الكون والآخرين .

والمسؤولية كمبدأ مكتسب يمكن تعليمه وهو جزء من التربية فالطفل الذي تربّى على أن يتحمل مسؤولية نفسه وإن يخدم نفسه في المنزل وأن يشارك الأسرة في جزء من الأعباء المنزلية، لا يواجه صعوبة في تحمل مسؤوليات أكبر عندما ينضج كما سيكتسب خبرات  ومهارات من خلال التجارب التي خاضها، أما الطفل الاتكالي الذي  لم يتحمل مسؤولية نفسه واعتاد على الآخرين في القيام بواجباته فسينشىء على الأنانية والاتكالية وعندما يكبر لن يستطيع أن يتحمل أية مسؤوليات لافتقاده للخبرات والمهارات التي تبنى في سن مبكرة. فالإنسان ابن بيئته وحتى نطمح إلى تغيير  العالم فإن تحمل مسؤولية أفعالنا هي الخطوة الأولى في هذا الطريق.

 ————-
* مديرة مركز الدراسات والبحوث مسقط.

 

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: صلاة الرجال مع النساء.. باطلة!

عدد المشاهدات = 3927 نشر فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب على صفحته الرسمية على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.