الخميس , 25 أبريل 2024

لماذا نمارس لعبة الهروب؟

= 3958

بقلم: د. سناء الجمل

لطالما استخدمنا الهروب كوسيلة للتخلص من المشاكل والإحباطات التي تواجهنا خلال مراحل كثيرة من حياتنا… ولاشك أن الهروب هو إحدى طرق التكيف النفسى التى يستخدمها العقل بطريقة لا إرادية للتخلص من الضغوط النفسية… فيظل الشخص منسحبا من الحياة لفترة وهاربا من المواجهة حتى يسترد بعضا من طاقته النفسية وقدرته على المواجهة ولكن برغم أن الهروب يعد وسيلة تكيف حتى لا ننهار أمام مشكلات الحياة إلا أنه أضعف أنواع العلاج أو قد لا يؤدى للعلاج أصلى لأن الشخص يكون قد اعتاد على استسهال الأمور وبالتالى لن يفكر فى البحث عن أى حلول لما يعانيه… بل قد تعجبه لعبة الهروب. فيظل هاربا لفترة طويلة غير قادر على العودة لحياته الطبيعية مما يؤدى إلى إمكانية انسحابه من الحياة بالتدريج فيلجأ للعزلة.

ويعد الهروب نوعا من الهيستيريا… بمعنى أن يخلق الشخص حالة خاصة مريحة يعيشها بينه وبين نفسه بعيدا عن الضغوط والصراعات، فقد نرى بعض الفتيات يلجأن لارتداء النقاب للاختباء عن عيون الناس أو الهروب من نظراتهم المتطفلة أو لإفراطها فى الشعور بالذنب فترغب فى أن تنال استحسان الآخرين واحترامهم لها، وقد تكون جميلة أو لافتة فتشعر بالتوتر والقلق من نظرات الناس، أو ربما لعدم ثقتها بنفسها أوعدم الشعور بالأمان والثقة فيمن حولها والعكس صحيح، فقد تبالغ المرأة فى زينتها وملابسها وإظهار جمالها وأنوثتها بصورة فجة لإخفاء نوع من المعاناة أو ضعف الثقة بالنفس وترغب فى تعويض تلك الثقة بالحصول على نظرات الإعجاب والرغبة ممن يراها، وقد نرى شخصا يدعى المرض دائما ليحصل على تعاطف الآخرين والتفافهم حوله أو ليهتم الناس به ويسألونه عن أخباره…

وقد يلجأ العقل أحيانا لفقدان الذاكرة بشكل مؤقت ليتناسى آلامه ومشاكله… أو يفقد إحدى حواسه بصورة مؤقتة… كفقدان البصر الهيستيرى أو السمع أو حتى الشلل المؤقت للأطراف تبعا للصدمة التى تلقاها العقل فى تلك اللحظة، فقد يسمع الشخص نقدا لاذعا أو إهانات قوية من شخص آخر ذي سلطة ولا يستطيع الرد عليه فيلجأ العقل إلى اتخاذ إجراء… كفقدان النطق… حتى يعطى المبرر لعدم قدرته على الرد فى الوقت المناسب… وقد يرى الرجل زوجته أو ترى المرأة زوجها فى وضع خيانة فتصاب فجأة من شدة الصدمة بفقدان الذاكرة أو فقدان القدرة على الرؤية لتتغلب على بشاعة الموقف الذى واجهته… وهكذا يتخذ العقل تلك الوسيلة كطريقة للتكيف يخترعها فى مواقف الصدمة… ويظل هكذا حتى يأتى الوقت المناسب الذى يتمكن فيه من المواجهة فيبدأ فى استرداد وعيه والعودة لطبيعته مرة أخرى بصورة تدريجية.

ونحن كثيرا ما نمارس لعبة الهروب فى مواقف حياتنا… فننسحب فى الوقت الذى يجب أن نواجه… ونضحك فى الوقت الذى نحتاج فيه للبكاء… ونكتم آلامنا بادعاء القوة والثقة بالنفس… ونتنازل عن أحلامنا بادعاء الاستغناء والرضا والاكتفاء بما نحن فيه… ونحن فى الحقيقة لسنا راضين عن أنفسنا إنما نمارس لعبة الرضا ونتدرج فى الممارسة حتى تهون علينا أنفسنا فنلقى بها فى حلبة الهيستيريا لتصارع المرض النفسى وتظل تمارسا معه لعبة الهروب من مواجهة الحقيقة. فكم مرة هربت فى الوقت الذى كنت تحتاج فيه للمواجهة؟ … وكم مرة انسحبت وكتمت ألمك وحزنك؟

الهروب وادعاء القوة ليس بطولة، إنما انسحاب ومقاومة مؤقتة لمشاعر الإحباط والألم، والتنازل عن الحلم. وعدم التمسك بالهدف ليس استغناءً ولا حالة من الرضا والقناعة… إنه قمة الضعف والهزيمة، وستجد نفسك فجأة أمام كل الضغوط والأزمات والمشاكل التى أخفيتها ودفنتها بداخلك ورفضت مواجهتها… ستجدها وقد انهارت أمامك وتفجرت فى وجهك ولن تقدر وقتها إلا على الاستسلام… لأنك دفنتها بداخلك حتى توحشت وتضخمت أكثر وأكثر… وبدلا من مواجهة بسيطة ستجد نفسك غارقا فى حرب… فإما القتال وقتها أو الموت والاستسلام.، إذن توقف عن خداع نفسك وواجه حياتك.

شاهد أيضاً

مسدس - جريمة

بعد حكم إعدام المتهمين…قرار جديد من محكمة النقض في قضية مقتل الإعلامية شيماء جمال

عدد المشاهدات = 3558 قررت محكمة النقض، اليوم الإثنين، حجز طعن المتهمين أيمن حجاج، وحسين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.