بعد أن صليت ركعة الوتر توجهت للسرير الذي تغط عليه زوجتي في نوم عميق بعد يوم شاق تحملت فيه عبء ضيافة من أتوا لتعزيتنا في أبي الذي وافته المنية بالأمس..
رغم توقعنا أو بالأحرى انتظارنا لهذه اللحظة بعد أن ساءت حالته الصحية وبات لنا الفراق أهون من العذابات التي يعانيها في مرضه إلا أن الظلمة التي تتخلل صدرك وتسري بحنايا بدنك وتلف ربوعك ليس لها كاشف ولا منقشع إلا بصبر من عند الله..
رأيته وقد حف شاربه وأطلق لحيته ولبس ثوبا أبيض تفوح منة رائحة عطره كالمسك يتجول بالشوارع حامل كيس كبير… سرت خلفه أترقب ماذا يفعل…
تفاجأت بأنه يميل على الأرض ويلتقط الأوراق الملقاة والمتناثرة بجميع الأنحاء ثم يضعها في الكيس الذي يحمله
تنقل من شارع لآخر وأنا أتتبعه… حتى امتلأ الكيس عن آخره…
ثم أخرج عود ثقاب وأشعل في كل ما جمعه من أوراق وانتظر حتى خمدت النار ثم ذهب وكرر فعلته ببقية الشوارع
اقتربت منه وهممت أن أحمل الكيس عنه
… عنك يا أبت أحمل الكيس…
لم ينبس ببنت شفه ونظر إلي مبتسما وتركني…
لكني لمحت وسط كومة الأوراق وأنا أحاول أن أجذب الكيس منه… قصاصات جرائد تتزين بسور من القرآن الكريم وأخرى فيها أحاديث للرسول (ص)…
صحوت من نومي علي صوت ميكروفون المسجد والشيخ يتلو القرآن في المذياع ضمن شعائر صلاة الفجر قبل الآذان(… إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون…): ففهمت واستبشرت وعزمت أن أكمل ما فعل أبي ومن اليوم سأحمل كيسا مثله وأسيح بالشوارع وأدخل في زمرة “إنا له لحافظون”.