السبت , 20 أبريل 2024

د.سناء الجمل تكتب: لا تبحث عن قيمتك فى عيون الناس

= 1285

 

نسعى جميعا فى تلك الحياة جاهدين ليس لإحراز النجاح أو جنى المزيد من المال فحسب، وإنما بحثا عن قيمتنا الذاتية، ودورنا الذى يترك أثرا بعدنا، ومنا من يرى تلك القيمة فى النجاح الدراسى أو المهنى وآخرون يرونها فى المكانة المرموقة وغيرنا فى كثرة المال أوالمظاهر الخارجية..أو غير ذلك.

والأمر واحد لدينا جميعا حتى لو اختلفت طريقة التعبير، بدءا من أصغر الجانحين وحتى أعظم الناس شأنا ومكانة فى المجتمع، الكل يبحث عن قيمته الذاتية من خلال كل عمل يقوم به، ويحرص على صورته فى عيون الناس، فلو بحثت فى ملفات بعض المجرمين ستجد أنهم قد لا يلتفتون لجرائمهم ولا يندمون عليها بقدر فخرهم وسعادتهم بنشر صورهم إلى جوار المشاهير بالجرائد وبأنهم أصبحوا حديث الناس، ولو تسنى لك الجلوس مع أحد العلماء أو المشاهير الذين يترفعون حتى عن الثناء والمدح، يمكنك أن تلمس بوضوح مدى سعادته عندما تحدثه عن علمه أو أعماله، وكيف أنك تأثرت به وتعلمت منه.

ولو ذهبت لحضور أحد العروض المسرحية لأكبر نجوم وطنك ستجد أن هذا النجم قد يهتز ولا يتمكن من أداء مشهد واحد إذا لم يشعر بالتقدير والتشجيع من الجمهور، وقد ترى أفضل لاعب كرة قدم لا يتمكن من تسديد ركلة سهلة إذا استمع إلى هتافات محبطة من الجماهير، كلهم فى الحقيقة يبحثون بطريقة أو بأخرى عن قيمتهم فى عيون الناس من خلال أدائهم لأعمال عظيمة ورائعة أو حتى القيام بجرائم خطيرة، وتبنى مواقف شاذة.

ربما طالعنا جميعا الحادث الأخير الذى راحت ضحيته الطالبة الجامعية نيرة أشرف ذبحا على يد زميلها، ربما فسر البعض ذلك الحادث بأنه نوع من جنون الحب فحسب، ولكن الحقيقة أن القاتل كان يبحث عن قيمته الذاتية ويرغب فى أن يتوج بالبطولة وأن يبقى اسمه بين الناس، فقد نشأ هذا الشاب فى أسرة بسيطة الحال تعيش على المساعدات فى أغلب الأوقات للدرجة التى جعلته يحاول الهروب وتغيير ذلك الواقع تارة بالتفوق الدراسى ليلتف الناس حوله ويحاولون التودد إليه حيث كان أول دفعته دائما وتارة بمصاحبة فتاة جميلة تجعله محط الأنظار ووجودها إلى جانبه يعنى له نوعا من الوجاهة التى ترفع من قدره وقيمته فى عيون الناس.

كثير من الشباب يفكرون بهذه الطريقة، فيلهثون وراء أجمل الفتيات لمجرد أن يصبحوا حديث الزملاء، هكذا أراد هذا الشاب أن يحظى بنظرات التقدير والإعجاب من قبل الآخرين ليشعر بأنه متميز، ولذلك لم يتقبل فكرة أن تتركه وترفض حبه لها وتمسكه بها لأن هذا من وجهة نظره انتقاص من قدره وقيمته، حتى عندما أقدم على ذبحها، فعلها بتلك الطريقة البشعة ليبقى له أثرا وحكاية لدى الناس.

لقد كان يشعر بانعدام القيمة للدرجة التى دفعته للبحث عنها بتلك الطريقة الشاذة، فالبحث عن القيمة قد يأخذ أشكالا مختلفة قد تصل لحد ارتكاب الجرائم، وقد نجد فى المصحات النفسية نوعا من المرضى الذين اختاروا الجنون برغبتهم، فالمعروف أن المرض العقلى يحدث إما نتيجة لعامل الوراثة أو نتيجة حادث يؤدى للإصابة بتلف فى المخ أو قد يكون اختياريا بمعنى ألا يشعر الشخص بقيمته وأهميته فى الواقع الذى يعيشه فيلجا للبحث عن عالم افتراضي يصنعه فى خياله ليشعر بقيمته وأهميته، فقد تجده يوقع لك شيكا بمليون دولار لمجرد أنك أثنيت على ملابسه أو طريقته فى تناول الطعام، لأنك ببساطة تمنحه تلك القيمة التى كان يفتقدها فى عالمه الواقعى.

ان قيمة الإنسان الحقيقية تكمن فى قيمة ذاته الداخلية، ومدى تقديره لنفسه وثقته بقدراته ووعيه بذاته، وبأنه متميز ومختلف عن غيره، يمتلك العديد من المواهب والقدرات التى تؤهله ليكون شخصا مؤثرا فى الحياة، فلا أحد يعرفك مثلما تعرف انت نفسك، ولن يقدر قيمتك أحد مثلما تقدر أنت نفسك، بينما قيمتك فى عيون الناس هى مجرد صورة تتغير من حين لآخر، يراها كل شخص تبعا لأهوائه وتوجهاته فى الحياة.

ولذلك فلن تستطيع إرضاء الناس أو الحصول على تقديرهم مهما فعلت، بينما لو حرصت على قيمتك الداخلية ستعمل على تطوير نفسك أكثر لتحظى بالرضا والإشباع الذاتى والثقة بالنفس، فلا تبحث عن قيمتك فى عيون الناس ولكن ابحث عنها داخل نفسك.

——————–
* الكاتبة استشارية الصحة النفسية وتطوير الذات.

شاهد أيضاً

رياح الخماسين.. مركز المناخ: انخفاض الحرارة من اليوم لمنتصف الأسبوع القادم

عدد المشاهدات = 2097    قال الدكتور محمد على فهيم رئيس مركز معلومات المناخ بوزارة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.