الخميس , 25 أبريل 2024

“حديث عند الحاوية”…قصة قصيرة بقلم د. محمد محيي الدين أبو بيه

= 4184

 

تتلفت عيونه يمينا ويسارا لتتيقن من عدم وجود من يتتبعه واخذ ينبش في القمامه التي بجانب الطريق في الحي الراقي فهو لم يأكل ولم تنزل جوفه لقمة واحده منذ أمس ولكن سعيه كان سدى فكل الذي وجده اوراق واكياس الاكلات الجاهزه سريعة الطبخ .ماهذا ؟ الا ياكل الساكنون بهذه المنطقه؟ اني ظننت أن غنيمتي ستكون عظيمه..
هكذا حدّثَ نفسه وانا اترقبه من النافذه فقد كنت في انتظار غروب الشمس في مشهد تعودت عليه خلال شهر رمضان حيث اتحرى لحظة غياب الشمس قبل رفع أذان المغرب
الجمال والسحر يتلخص في تلكم اللحظات حيث اعتناق اواخر قرص الشمس الارجواني بآخر مدى للأرض امام ناظريّ وقد جف الحلق وذهبت من الفم اللُعابات وتتثشوق لجرعة ماء تبل هذا الريق المنتهي فيجعل لسماع كلمة الله أكبر روعة بالنفس وفرح ما بعده فرح
انا لست من ساكني هذا الحي الراقي لكني أسكن في الحاره الموجودة في الجهة المقابلة له ويفصل بيننا طريق واسع ممتد ووجودي في أول بيت من الابنية القديمه المتراصه جوار بعضها يمكنني من رؤية الساحه الواسعه التي ترفل بشجيرات عديده وزهور مختلف الوانها وكذلك حاويات القمامه المتناثره
بجوانب الطريق مما يهب منظرا به لمسة من النظافة والرقي الواضح
دفعني الفضول وكذلك الرفق بهذا الشخص أن اتخلى عن عادتي المتكرره وانزل من البيت وأمر الي الناحية الاخرى وانا كل حذر حتي لا أجرح مشاعره فتجنبت ان أذهب اليه مباشرة فدلفت الي المطبخ وحملت معي بعضا من الطعام الذي اعددته زوجتي للافطار وكأنه بقايا وفضلات من طعامنا أنتوي إلقائه بالحاويه
إرتبك عندما لاحظ إقترابي منه وتغيرت ملامحه واشرئب باصفرار أكثر مماهو فيه الناتج من فقر دم نابع من سوء تغذية
وضعت الكيس علي جانب الحاويه من أعلي علي سن مدبب بارز منها ثم هممت بالانصراف وتجاوزته ببضع خطوات ثم انحرفت وانا ارمقه بطرف عيني فلاحظته لا يقوى علي التقاط الكيس فاحدي رجليه مربوط حولها شاش ولا يستطيع فردها وحاول عدة مرات ولم يستطع .
فأصطنعت أني أرجع للحاويه والتقطه له وهو ينظر إليّ علي استحياء فأردت أن أخرجه من حالته تلك فقلت…الف سلامه عليك يا أخي رجللك مالها
فطرق ملياً ثم بدأ حديثا لم اطلبه منه ولكن أحسست أنه يريد أن يلقي من علي صدره حجراً جاثما عليه
حادثه حصلتلي من فتره ..علي فكره أنا صايم
تقبل الله منك
وكأنه لمح علي شفتي سؤال ما حكايتك؟
أنا لم يكن حالي هكذا…كنت رجلا ميسور الحال أمتلك محلا لتجارة الاقماش بل محليّن في بلدتنا المنيا وكنت شابا فتياً أعيش حياتي بالطول والعرض كما يقولون…أبيع وأشتري والدنيا تعطيني بلا حساب وظننت وقتها ان الامر استتب لي وحذت ما يتمناه أي انسان.
ثم أستند علي حائط مجاور واستدرك وكأن غصه مُره في حلقه…آفتي كانت التفاتي للدنيا فقط ولم أحسب لآخرتي فصلاة لا أؤديها في اوقاتها وأحيانا لا أؤديها بتاتا مع علمي بفرضيتها ولكن كنت اهمس لنفسي ومالو لما تصليها بعدين..ويمر وقت وراء وقت والمحصله أنها تثقل علي نفسي وأحس انها جبل فلا أطيق ذرعا فأهملها تماما
بلع ريقه ثم تابع وها انا كما أخبرتك صائم فهل تعلم أني في عز قوتي وامتلاكي لمباهج الاكل بانواعه المتعدده كان ايضا الصيام يمثل لي معضلة كبيره يمر رمضان وقد صمت فيه أقل من ثلثه…أرايت يا استاذي تلك المفارقه وأنا بصحتي انفر من تحمل الجوع والعطش حتي اتى اليوم الذي أطيقه في رمضان وغير رمضان لعدة أيام برضاءى ودون رضاءى
استوقفته متسائلا وأهلك أليس لك زوجه وأولاد كيف كنت تفعل معهم وانت تفطر امامهم
أعتدل في جلسته والدموع بدأت تنساب من عينيه…لم أشا ان اتحمل مسئولية زوجه وعائله فصرفت نظر عن فكرة الزواج فكما قلت لك كنت أعبش بالطول والعرض ومن سمات ذلك ان أكون مغردا علي الاغصان وحدي ولا تكون لديّ أعباء
ساد صمت قليل ولم أرد أن أزيد ما فيه من أرهاق ولكن كان السؤال المُلح هو أين تجارته وماالذي آل به الي تلك هذه الحاله في مدينة غير مدينته ؟
…سيدي إن المعطيات تؤدي الي النتائج كما يقولون في دروس الرياضيات…فأهمالي امتد الي تجارتي ايضا..كنت أبذر بغير حساب ولم أكن متواجدا طيلة الوقت بالمحلين فبدأت السرقات من قبل بعض العمال وايضا العملاء…ولم انتبه الا بعد أن تراكمت مديونيات الضرائب والتأمينات التي أهملتها لعدة سنوات فأضحت مبالغها متجاوزة ما استطيع سداده الا بعد التصرف ببيع البضائع بأقل من أثمانها وبالتالي خسرت خسارة مضاعفه…
وسقطت دموع عينيه فنزعت من بنطالي منديلا حتي يجففها وأكمل وصوته يتحشرج …طبعا لم يصبر كبار التجار علي في دفع مالهم من اموال…فالتجأت الي بيع أحد المحال واستتبعته بالإخر فالسرقات قد قضت علي ماتبقي فيه.
لم أطق ان ابق في مدينتي وقد كسدت وضاعت تجارتي ففرت بما تبق معي من أموال قليله الي المدينة الكبيره والتي ابتلعتني هي الاخري فقد كنت أسير غارقا في التفكير بحالي ويغمرني الاسى وحتي تكتمل نتائج معطيات اهمالي في جنب الله..أتت سياره مسرعه واصطدمت بي لابدأ رحلة علاج إخره ماتري آثاره في رجلي من شاش…
ها وقد أتي عليّ رمضان الكريم الذي كنت قديما لا أعبء بمجيئه وقد أقسمت إلا ان أصومه رغم رخصة إفطاري عل الله يكفر ما مضي.
وما أن انتهي من حديثه إذ بالاذان يصدح بالاجواء معلنا انتهاء صيام يوم رمضاني
فاسندت ذراعه علي كتفي قائلا
لتذهب الي بيتي معي لتتناول الافطار
فهب قائلا لا الي المسجد اولا لنصلي وبعدها كل شىء هين
وافقته وانا ارى فيه أملاً في الغد

شاهد أيضاً

الجمعة المقبل.. افتتاح جناح سلطنة عُمان في بينالي البندقية الدولي للفنون 2024

عدد المشاهدات = 7957 مسقط، وكالات: تشارك سلطنة عُمان يوم الجمعة القادم بجناح في الدورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.