الخميس , 25 أبريل 2024

“الخليفة” … قصة قصيرة بقلم سيد إبراهيم جعيتم

= 2092

سعيدٌ في جنتي، فيها ما لا عينٌ رأتْ ولا أُذنٌ سمعتْ ولا خطرَ على قلبِ بشرْ، موقنٌ بأنَّه عندَمَا يحينُ الموعدُ سأهبطُ من الجنةِ لملاقاةِ من خُلِقتْ من أجلي، تنتظرِنُي لتَتَحلَّل من رَهْبَانيتِها ونتحد جسدًا وروحًا.
الطريقُ لأميرتي صعبٌ طويلٌ وعرٌ محفوفٌ بالمخاطرِ، جبالُهُ عاليةٌ وريحُهُ عاتِيَةٌ ، ودهاليزُهُ مظلمَةٌ، وغاباتُهُ مَطِيرَةٌ ، بها شجرةٌ محرمة.
لأبحثْ لي عن رفيقٍ أستقوي به علي الطريقِ.
لنكُنْ بجوارِ بعضِنا ، نتعاونُ ويشدُ كلٌ مِنَّا عضدَ الآخرِ.
= مصالحُنَا متضاربةٌ والصراعُ بينَنَا حتميٌّ.
لنؤجلْ الصراعَ لنهايةِ الرحلةِ .
تعاهدْنَا، أعدَدْنَا عُدَتَنَا وصِرْنَا علي أهُبةِ الاستعدادِ للانطلاقِ والصراع ِمع الملايين.
حانَ موعدُ الانطلاقِ، هَطَلَ عليْنَا شلالٌ عاتٍ هادرٍ لزج غمرَنَا، كبَّلَ حركَتَنَا، وضَعَنَا كُلَّنَا علي خطِ البدايةِ استعدادًا لبدءِ السباقِ، دفقةٌ هائِلةٌ تغلَّبَتْ على الجاذبيةِ، جرفَتْنَا ودفعتْنَا للخارِجِ لدنيا أوسع وأدفأ .
التقطُ أنفاسي بدأتُ أتَحسَّسُ المكانَ، أطمأنَّنْتُ علي رفيقي ، نسبحُ ببطءٍ في بُحيرةٍ تُغَطِّي سردابًا طويلاً تَحُفُ جوانِبَهُ المخاطرِ، مع الملايين نَتَعَجَّلُ للتَحَرُّكِ للأمامِ .
ارتَح يا رفيقي، لا تَسْتَنْزِفْ قوتَكَ, لندَّخِرْ جُهدَنَا فسنحتاجُهُ فيما بعد.
موجةٌ عاتيةٌ هادرةٌ من الماءِ تأْتِي من داخلِ السردابِ، امتزَجَتْ مَعَنا ، أشعرُ بالانتعاشِ، تَشُدَّنَا جاذبيةٌ شديدةٌ تمتَصُنَا.
لا تبتعدْ عني يا صديقي، لنُشَكلْ حائطَ صدٍ ضدَ من تُسَّولُهُ نفسُهُ إعاقَتَنَا.
تحرَّرَتْ حركَتُنَا، اعترى الكلَ نشاطٌ شديد، بدأَتْ المعركةُ فخُضْنَا مُتَّحِدين غِمارَها، تعُوقُنَا التضَاريس، أرهقنا الصعودُ والهبوطُ، يَعْتَرضُنَا جبلٌ شاهقُ الارتفاعِ، جدرانُهُ زلِقةٌ مُوحِلَة، أكررُ محاولةَ الصعودِ، لن يسبَقني أحد.
اشتبكنا آلافَ المراتِ مع مَنْ اعترضَ طريقَنَا، تكَرَّرَ صَرعُ المنافسين، موتُهُم حياةٌ لنا، نتقدمُ متعبين للأمامِ.
مفترقُ طرقٍ.
علامتان إرشاديتان تُشيرُ لطريقين، سكة السلامةِ حيثُ تقطنُ الحبيبةُ في قصرِهَا العالي، وسكةُ الندامةِ حيثُ الفراغِ المظلمِ الموحشِ، لا أعلمُ أيُ الطريقين نسلُكْ، وقفْنَا حائرين.
= ليسلك كلٌ منا طريقًا.
تعاهدنا ألا نفترق.
جعلَنَا اللهُ مِنْ أهلِ اليمينِ، دخلْنَا السرداب، أتعبَنَا السيرُ فيه، تُرى أينَ تقطنُ الأميرة.
بلغَ التعبُ أشدَّهُ، ما زالَ الطريقُ طويلاً، لا وقتَ للراحةِ ، لا بدَّ من الاستمرارِ في المعركةِ والتقدمِ للأمامِ، رُغمًا عني بدأتْ حركتِي تُبْطىء ، نظرْتُ حولي ، الكلُ نالَهُ التعب، بالكادِ أتحرَّك ، يا إلهي اعطنِي القدرَةَ علي التحركِ بقوةٍ لأصلَ لغايتي.
ليس هناك أجملُ من اللقاءِ، الحقيقةُ أجملُ بكثيرٍ من الحُلُمِ، ها هي الحبيبةُ محصَّنَةٌ بأسوارٍ وجدرانٍ شفافة، يلتَفُّ حولِها أعدادٌ هائِلَةٌ للفوزِ بها ، يعملونَ بجدٍ لتحطيمِ الأسوارِ، لا تؤّثِّرُ المَعَاولُ في الجِدارِ، إذابَتُها الحلُ الوحيدُ.
جاهز يا صديقي.
= جاهز.
لنحاولْ إذابَةَ هذه النقطةِ.
أفلحْنَا في فتحِ ثغرةٍ في جِدَارِها الصلبِ الشفافِ ، تَكَالَبَ الجميعُ لينفُذُوا من الفُتحةِ، خُضْنَا حربًا شرسةً لا هوادةَ فيها، قاتَلْنَا من تجرأَ علي الاقترابِ .
حانَتْ اللحظة، نظرنَا لبعضِنا، قلتُ له:
لنَسألَ الأميرةَ … هل تقبلينَنَا نحنُ الاثنان؟
ردَّتْ بدلالٍ:
أحُدُكما فقط.
لم أفوتْ الفرصةَ، اخترَقْتُ الجدارَ تاركًا زيلي خلفي، احتضَنَتْني المحبوبةُ وأغلَقَتْ بابِهَا في وجهِ الجميعِ.
اندمجنا في جسد واحد لأكون خليفة اللهِ في أرضه.

شاهد أيضاً

الجمعة المقبل.. افتتاح جناح سلطنة عُمان في بينالي البندقية الدولي للفنون 2024

عدد المشاهدات = 7633 مسقط، وكالات: تشارك سلطنة عُمان يوم الجمعة القادم بجناح في الدورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.