حياتي اليوم صحيفة إلكترونية يومية
يكتبه: عبد الناصر عبد العزيز
موقف لن أنساه في حياتي ….فى بدايات عملي بالمحاماه جاءني موكل معسر…ومدين بمبلغ مالي ومرفوع عليه ثلاث إيصالات أمانة من أصدقائه!
كان يشاركهم فى تجارة وخسرت فحملوه أسباب الخسارة ورفعوا عليه الإيصالات وحبسوه فعليا …حتى قررنا له بالمعارضة وخرج ولكن تحددت جلسة للمعارضة ولابد من السداد قبل الموعد!
الرجل كان فقيرا جدا فعليا فقد كنت أعرفه عن قرب…وأعرف تفاصيل حياته وعدد أبنائه…المهم ..حاول ان يجمع المبلغ أو ان يرضى الدائنين بأي شكل فما استطاع ولا استطعنا…فكر الرجل ان ينشر مشكلته ويصف حالته عبر الإنترنت وكانت الميديا الالكترونية فى بدايتها ….ولكن قدر الله له من ينصت لمشكلته ويستوعبها…وكانوا اثنين من الأطباء ومعهما زوجتيهما المنتقبتين…
وطلبوا منه ان يحضر عند مسجد الفتح بالزقازيق أمام المبرة وأن اكون أنا معه كمحام له ومعي أوراق كل قضية واسم صاحب الدين والمبلغ …بشهادات رسمية مختومة…وبالفعل ذهبنا للمكان حسب الموعد فوجدنا الرجلين..وزوجتيهما فى سيارة فيات28 موديل قديم !
فتعجبت جدا لأن المبلغ المطلوب كان كبيرا ويساوى تقريبا ثمن سيارتين من تلك التى نراها..والأولى بكم ان تجددوا سيارتكم مثلا!
وبمجرد فحصهم للأوراق وتأكدهم منها نادى أحدهم على السيدتين من السيارة وأخرجت إحداهن من حقيبتها المبلغ كاملا!
ياربي هل مازال فى الدنيا أمثال هؤلاء 14،800 جنيه دفعة واحدة فى وقت كان الجنيه له قيمته…بكيت جدا وتألمت من قدر شفافية وإحسان هؤلاء الناس…وكانت زوجة موكلى معنا فى حينها فأخذت تدعو لهما الله فقالت إحدى السيدتين كلمة لن أنساها عمرى وكلما تذكرتها ابكى بعنف..
قالت لها….دا حقكم فى مالنا يا حبيبتى…ياااالها من معنى عظيم رائع لتجسيد التكافل…وأن نفهم أن الصدقة قبل أن تكون إحسان منك للفقير…فهى حق له عليك…وأنت لا تملك اختيار المنع أو المماطلة!
انه اليقين بالله..انه اليقين أن المال مال الله…انه اليقين بأن المعسر أو المدين انسان ومن حقه أن يحيا بكرامة…..منذ شهرين مات موكلى وكان صديقى وحبيبى وانتهى الموقف ومرت الأيام ولكن هذا الموقف لم ولن انساه ماحييت!
فلا أتذكر أيا من هؤلاء الأشخاص شكلا ولارسما فقط أذكر أن أحدهم كان يدعى د. أشرف النشوي تقريبا…وان غابت الوجوه أو فنيت الأجساد فالإحسان باق.
(طاب مساؤكم)
