الجمعة , 19 أبريل 2024

“نهى هنو” تكتب: موكب المومياوات ..لوحة فنية متكاملة

= 9610

لوحة فنية متكاملة أتقن صانعيها كل تفاصيلها بحب و تفانى و إخلاص لتظهر بهذا المستوى الفائق التوقعات،فلم يكن مجرد عرض لموكب مومياوات ملكية لكنه كان يشبه فى بعض كادراته الافلام السينمائية الهوليودية فائقة الجودة و الصنع .
حفل أسطورى حرك مشاعرنا جميعا و جعلنا ننتشى من فرط السعادة ليس فقط لجمال ما رأيناه و لكن ايضا لجرعة الفن الزائدة و المجانية التى حصلنا عليها ،جعلت أجسادنا تقشعر مرات عديدة عند مشاهدته ليس فقط لمرة واحدة ،و لم يغفل اى من صناع العمل اى تفصيلة و عمل كل منهم فى دوره تماما كالترس الذى يدور فى الاّلة و الذى أعطى تلك النتيجة المُبهرة.


كانت كل عناصر العمل متكاملة من تصوير و إخراج و أزياء و عروض و ديكور و تصميم عربات الموكب و فخامة العارضات و إبداع المطربات و العازفات و روعة الموسيقى و مدى إحترافية الأوركسترا التى عزفت على قلوبنا جميعا فلم يكن مجرد عزفا عاديا،فإستخدام مقطوعة مهابة إيزيس كان إختيار موفقا بلمسات فنية من الموسيقار هشام نزيه و التى أزدادت رقيا و قوة بقيادة المايسترو العالمى نادر العباسى ،هذا المايسترو الإستثنائئ الذى كاد أن يفقد عقله من فرط جمال تلك المقطوعة ،فلقد توحد معها بدرجة مُرعبة جعلته ينسى كل من حوله فحلق فى سربه مع عازفيه و غاب عن الوعى تماما ليمتعنا بكل هذا الفن و الإبداع لنبكى و نتأثر حتى و إن لم نكن على وعى بمعنى العزف فى بداية الأمر و تلك النشوة التى وصل إليها حتى يجعلنا رغما عنا ندخل إى عالمه، فأصبح هو ملك للحظته الخاصة فقط بعد تعب و عناء و تحضيرات و مجهود شاق ،أكاد أن استمع إلى ضربات قلبه و أرى ملامح وجهه أثناء العرض و الذى يخبرك بحجم مسؤلية هذا الرجل و رغبته فى إخراج الامر بأفضل صورة ممكنة.

كانت الموسيقى بطلا أساسيا من أبطال الموكب و التى كانت تنقلنا من حالة شعورية لاّخرى بمنتهى العنفوان و الرقة و العذوبة،فكانت كل لقطة بصرية يصاحبها مقطوعتها الموسيقية الخاصة التى تعبر عنها ،الصعود و الهبوط بين حالات الفخر و السعادة و الحزن و الترقب و الشغف لكل تحرك لكل ملك و ملكة فى الموكب،منذ لحظة البداية و خروج الموكب و ذلك المشهد المهيب جدا و حتى وصوله إلى محطته الأخيرة و التى أبدع فيها المخرج عمرو عزيز ومدير التصوير أحمد المرسى مدير الإضاءة مازن الجبلى برسم لوحة بصرية يصعب نسيانها من خلال الألوان المُعبرة و التكوينات البصرية المناسبة و اللقطات المختلفة و حركة الكاميرا التى تضفى إحساس مختلف فى كل لحظة و إستخدام الخط الزمنى الواحد لمدة دقيقة واحدة عند وصول الموكب و التى إستطاع فيها دمج كل الاماكن فى لقطة ملحمية من ميدان التحرير إلى متحف الحضارة و المتحف المصرى و تأمين الموكب و أثناء سيره و العزف الموسيقى و التى تعد من أفضل و أقوى اللقطات الإخراجية .

جاء إستخدام الألوان معبرا عن الحالة الرئيسية للحدث ،و التى كان يتصدرها اللون الازرق بإكتساح تعبيرا عن حالة الهدوء و الصمت و الوحدة و الموت و إستخدام اللون الاحمر و البرتقالى علامة على السلطة و الدفئ و الطاقة أما الصفر جاء موازنا للتعبير عن السعادة و التفاؤل خاصة فى ميدان التحرير ،كذلك جاء أستخدام اللقطات القريبة داخل العربات و إبراز التوابيت الملكية و ظهور بعض اسماء الملوك إستخداماهاما للدخول فى قلب الحدث ،و ايضا استخدام اللقطات المرتفعة تماما اثناء سير الموكب و ايضا الزوايا المنخفضة لتزيد من الاحساس بالمهابة كدليل على العظمة و الشموخ و السيطرة و ايضا اللقطات الواسعة للتعبير عن عنصر الحدث الأصلى ،كانت الإضاءة ايضا لها حضور قوى و مميز و مؤثر و لكل منها رسالة ،فجاء مشهد فتح المتحف و الذى تصدرت وجوده الفنانة منى ذكى و التى كانت تفتح ذراعيها خارجا من بين يديها نورا و كأنها تحمل رسالة حب و سلام للعالم أجمع ،أما التكوينات البصرية جاءت متعددة منها إستخدام قاعدة الخطوط المتوازية بكثرة و التى تجذب العين و تجعلها تتبع لاراديا العنصر الرئيسى ،ايضا جاءت السيمترية بطلا اساسيا لتعطلى إحساسا بالتوازن و الراحة بالإضافة إلى التكوينات الواسعة حتى تستطيع نقل مشاعر الحزن و ايضا جاءت بعض المشاهد بشكل عميق لتبرز حجم العربات المتنقلة .

جاء مع لحظة الانطلاق خروج الاطفال تلك اللحظة التى تربط الماضى بالمستقبل ،و خروج العارضات و حملهم لبعض الايقونات الفرعونية المضيئة على وجههم،كان الامر كما لو كان اشبه بمراسم انتقال السلطة من ملك لاخر و ليس فقط موكب للموتى،تم ايضا استخدام الخيول و التى تقدمت المشهد وورائها احفاد الفراعنة ،فكانت كل لقطة منفردة هى لوحة فنية خاصة مستقلة بذاتها ،كل هذا و مازالت الموسيقى فى الخلفية تؤدى دورها بأداء مُشرف لعازفين و عازفات ماهرات يدركون اهمية الحدث ،جاءت ايضا مطربات الحفل بتميز شديد صاحبات الاصوات و الحنجرة القوية منهم ريهام عبد الحكيم ،نسمة محجوب و إدخال الغناء الاوبرالى من خلال السبرانو أميرة سليم و التى تفوقت على نفسها بجدارة و دخول الناى على الاّلاّت الغربية و أداء العازف احمد منيب و عازفة الة التيمبانى رضوى البحيرى تلك المرأة المُسيطرة على اّلاتها بكل حواسها جالسة فى شموخ وتركيز للتناغم مع الاوركسترا .

كل هؤلاء الجميلات و التى منهن أصحاب وجوه تشبه اجدادهم يترقبون و يشعرون بكل نغمة يعزوفونها و كأننا جميعا قد توقف بنا الزمن عند هذه اللحظة و لم يلتفت احدا جانبه مندمجًا بكل كيانه . كانت كل هذه اللوحات الفنية المُتعددة تُشبه جدران الأجداد فى المعابد.

ربما كانت عدم مشاركة الفنانة سوسن بدر تلك الهاربة من المتحف كما نطلق عليها جميعا له حزن خاص ،صاحبة الملامح الفرعونية ،أما عن مشاركة الفنان خالد النبوى فكانت إضافة هامة للإحتفالية من خلال فيلم “مصر الحضارة” و الذى ايضا كان من بدائع تلك الليلة الساحرة و كذلك ايضا مشاركة بعض النجوم كأحمد السقا و أمينة خليل و اّسر يس و يسرا و محمد منير و هند صبرى و أحمد عز و أحمد حلمى و كريم عبد العزيز .
نحن قادرون على إخراج أعمال و عروض و أفلام و إحتفاليات بهذا المستوى المُشرف فتحياتنا إلى كل المُبدعين و الجنود المجهولين الذين شاركوا فى هذا الموكب و يكفينا فخراً، نحن أحفاد تلك الحضارة العظيمة ان نُخرج عملا بهذا الشكل يكرم أجدادنا .

شاهد أيضاً

الجمعة المقبل.. افتتاح جناح سلطنة عُمان في بينالي البندقية الدولي للفنون 2024

عدد المشاهدات = 2719 مسقط، وكالات: تشارك سلطنة عُمان يوم الجمعة القادم بجناح في الدورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.