الخميس , 25 أبريل 2024

“في منزل جدتي”…قصة قصيرة بقلم مريم عبد الرحيم

= 2852

منذ فترة ليست بقصيرة و أنا أشعر بأنني انغمست في دائرة من الملل و الخمول، أيامي الحالية كأشباهها منذ سنوات، استيقظ كل يوم و أنهض للعمل على أمل أن أعود للمنزل و أنام و ينتهي اليوم كما أنتهى أمس.

أمشي في الشوارع و أحاول أن آجد حلًا لمشكلتي الأزلية، أشاهد مسلسلًا فيأتي مقطع يليق بي أكثر من البطل ذاته.
يقول صاحبه : ما المشكلة معك؟
ليقول هو : حياتي.

فأدخل من بعده في دائرة متداخلة مع دائرة الملل و الخمول<<دائرة التساؤلات الوجدانية>>
فيضيق صدري من منزلي ذي الأربعة جدران.

فأمشي في الشوارع لأجد حلًا لي مرة أخرى، أحاول و أحاول حتى لا يقولوا “و لماذا خُلق السعي يا آنسة وأنتِ مُمددة في فراشك؟”

و أفكر هل الشغف حقيقي أم آنه أسطورة توارثته الأجيال كمصباح علاء الدين و الأمنيات الثلاث؟

و إذا كان حقيقيًا، ما السبيل لعتبة داره؟

و في أثناء سيري، تقع عيني على شباك منزل دور أرضي، تقف فيه فتاة صغيرة تحاول بصعوبة أن توزان بين تمشيط شعرها و حمل لعبتها الصغيرة، ليأتي صوت جدتها من خلف الستارة البيضاء العتيقة وهي تقول لها
:أتلعبين بشعرك يا مشاغبة أنتِ ستأتي أمك و توبخك على عملتك هذه.
لترد الفتاة (بخبث طفولي) : لا أنا أعده لكِ يا تيتا لكي تصنعين لي ضفيرة، فماما لا تستطيع أن تحكمُها مثلكِ أنتِ.

ابتسمت حقًا، ابتسامة من القلب، أتذكر أنني أمس في العمل ابتسمت أيضًا لكنها كانت ابتسامة صفراء على الواقف على نكتة بايخة لا أتذكرها و لا أريد.

كل ما أريده هو أن أقف أمام هذا المشهد الدافئ، أتذكر طفولتي، أتذكر منزل جدتي.

وجدت قدمي تقودني لمنزل جدتي، على عتبة دارها وجدت ذكرياتي تنتظرني، وجدت ضحكات وابتسامات لا تعد من كثرتها، ووجدت نسختي الصغيرة تلعب و تجري في أنحاء الساحة الخارجية.

جلست على عتبة البيت أبحث عن المفتاح، وجدته في الجيب السري للحقيبة نائم فيه لسنوات لا أتذكرها، على وشك أن يصدأ، وضعته في طبلة الباب أخاف ألا يفتح من صدئه، أخاف ألا يفتح وألا أصل إلي دار الأمان دار جدتي.

لم أكن بهذه الرغبة منذ زمن، ماذا حدث الآن؟
أهذا هو الشغف؟

بدأ الباب أن يُفتح، و بدأت قدمي في الزحف مع حركة الباب.
ها أنا الآن وسط دفئي الخاص، كيف حرمت نفسي لسنوات من هذه النعمة؟
كيف لم أقدر قيمته في قلبي؟
كيف نسيت جدتي و نسيت طفولتي و نسيت نفسي لهذا حد؟

لايزال البيت كما هو، لازالت تلك الروح الطيبة فيه، ولايزال أيضًا لذة مذاق مربى المشمش التي كنتِ تعديها لي في فمي.
لازالت رائحتك على المفارش، ولازال فراشك دافئًا على ذاكراكِ، لازالتِ هنا يا جدتي.

أتذكر أن أمي كانت تقول أنني أشبهك لحدٍ كبيرٍ جبهتي كجبهتك، ابتسامتي كابتسامتك، ألوم نفسي أنني نسيتك، أنّي لم أُخلد ذاكراكِ، و أنّكِ رغم ذلك إنتشلتني من غرقي و انغماسي في الحياة و كآبتي اللانهائية ، و دلتيني على داركِ يا غالية.

ذاك هو الشغف.. في منزل جدتي.

شاهد أيضاً

إنجي عمار تكتب: قبل ودبر..!

عدد المشاهدات = 5151 قبل ودبر بضم الحرف الاول من كلتا الكلمتين. كلمتان بينهما تضاد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.