الجمعة , 19 أبريل 2024

هموم وأشجان ، خواطر ومشاعر…ديوان شعر للدكتور بسيم عبد العظيم

= 5215

بقلم الأستاذ الدكتور: عوض الغباري

أستاذ الأدب والنقد بقسم اللغة العربية
كلية الآداب ـ جامعة القاهرة

أحسن الدكتور الشاعر الأكاديمي الناقد بسيم عبد العظيم صنعًا بإصدار الطبعة الثانية لهذا الديوان عام 2019، ليكون عودًا على بدء في دورة مباركة حافلة بالعطاء العلمي والشعري والثقافي الخالص لوجه الله.
وثمرات هذا الديوان غضة في بداياته منذ ما يربو على أربعين عامًا، وهي قصائد قليلة جعلت شاعرنا يصف ديوانه بأنه خواطر ومشاعر تواضعا منه، وهو العالم الأصيل، بينما تجري أغلب قصائد الديوان على سنن شعري قويم، وخيال فني آسر عذب نابع من القلب ليصل إلى القلب، وصفه صديقه الشاعر – صادقًا – بقوله:
أبشـر بسيم يا ابن عبد القادر
ديوان شعرك مثل لحن آسر

منه صدى الأنغام شنف سمعنا
وأراح مجلسنا بطيب عاطر

أما القطوف الدانية الحلوة من قصائد الديوان فقد استغرقت الديوان إلى حوالي خمسة وعشرين عامًا مضت تقريبا لتلتحم بها رحلة الشعر في إبداع بسيم عبد العظيم في تنام مستمر، وإلهام زاخر بعبق الفن مرتبطًا بالذات والوطن، نابعًا عن نفس صافية تموج دفقاتها الشعرية والشعورية بفيوضات دينية أخلاقية ، يؤكدها شعره التالي لهذا الديوان في حوالي خمسة عشر عامًا منذ نهاية تاريخ هذا الديوان حتى الآن . ويكشف شعر بسيم عبد العظيم عن هذه الروح العذبة، والنفس المطمئنة الساعية إلى الحب والخير، والتسامح والسلام، كما عبر عنه صديقه الشاعر بقوله:
فسما إلى الآفاق وجدانه
ورأى جمال العالم الأرحب

وهموم وأشجان – عنوانًا للديوان – هو عنوان قصيدة عن انتفاضة أطفال الحجارة بفلسطين سنة 1987 ضد إرهاب الاحتلال الإسرائيلي وهي من بواكير قصائد الشاعر، يقول منها:
الهم أرقني وهد كياني
والنوم فارق مقلتي وجفاني

هذي فلسطين الجريحة تشتكي
لؤم العدا وصفاقة الشيطان

والقصيدة بكائية لضياع القدس والمسجد الأقصي، و استصراخ العرب لاستنقاذه من نير الاحتلال الإسرائيلي ، واستدعاء بطولة صلاح الدين الذي حرره قبل ذلك، وإشادة ببطولة أطفال الحجارة الذين يواجهون جيشًا مدججًا بالأسلحة الفتاكة القاتلة في غير رحمة.
وتعبِّر قصيدة “إلى أن تشرق الأنوار” عن هذه القضية أيضًا، ومطلعها :
قد قلت حين لفَّني الظلام
لا بأس بالإقدام

ما قيمة الإحجام

وفي القصيدة دعوة لمواجهة أعداء الأنبياء والبشرية :
على الشذاذ قد جمعوا من الآفاق
لهدم المسجد الأقصى
لطمس معالم الأديان
لمحو النور والإيمان
ثم انتظار:
إلى أن تشرق الأنوار
بفضل الشهداء الذين يقدمون أرواحهم في سبيل تحقيق هذه الغاية العظمى.
وقد ذكر الشاعر بسيم عبد العظيم الطفل الفلسطيني الشهيد محمد الدرة رمزًا لأطفال الحجارة قائلا:
يا درة التاج فوق القدس تأتلق
وشامة في جبين المجد تعتنق

و صب الشاعر جام غضبه على العدوان الأمريكي على العراق، مما أدَّى إلى انهيارها، داعيا الشباب إلى مواجهة الخطر الداهم المحيط بنا في قصيدة بعنوان “يا شباب الدين ” يقول منها:
يا شباب الدين سيروا
في ظلال الدين نور

في سبيل الله ضحوا
في سبيل الله ثوروا

فالحفاظ على الدين والوطن واجب، والدفاع عن المقدسات حق.
ويقول الشاعر بسيم عبد العظيم من قصيدة “فارس الشعراء في رثاء بغداد:
بغداد صارت حطاما
أين الرشيد لداء

عاث البغاث بأرضي
واستنسـروا بسمائي

فهو يستدعى شخصية الخليفة هارون الرشيد لإنقاذ بغداد، ويتناص مع المثل العربي “إن البغاث بأرضنا يستنسر” تعبيرًا عن الذل بعد عز، والاستخذاء حتى عن صد الضعيف (تمثيلا ببغاث الطير وهي ضعافها وقد صارت كالنسر قوة لما خلا لها الجو).
ويستدعى الشاعر قوله تعالى: “إن تنصروا الله ينصركم”، في قوله:
إن تنصـروا الله تلقوا
نصـرا على الأعداء
0
وهموم الشاعر وأشجانه مترعة بالحزن والألم لفقد أخيه شابا، وقد رثاه في قصائد تفيض لوعة وأسى، يقول من إحداها:
كنت المعين على الشدائد دائمًا
كم كنت تفتح مغلق الأبواب

يا صفوة الأخيار من شباننا
فارقت دنيانا بشـرخ شباب

كما يقول:
كم كنت أوثر أن تقول رثائي
لكن سبقت ففزت بالعلياء

يا شطر نفسـي يا حبيبي يا أخي
يا نور عيني يا محط رجائي

أما مفتاح هذا الديوان فيتضح في إهداء الشاعر بسيم عبد العظيم له إلى دوحتين عظيمتين: أمه وأبيه، وواحتين أظلتاه من هجير الحياة: زوجته والأحساء، وروح أخيه صفوت في عليين، وغصنين مثمرين: ولديه أحمد ومحمد وأحفاده.
وقد انساب شعره في هذه الأجواء الحبيبة إلى قلبه في صور رقيقة سلسة تذوب عذوبة وصدقا، تنتفض بها روحه:
كما انتفض العصفور بلله القطر
عبَّر عن حبه لأسرته، وأنشد قصائد تغني فيها بحب زوجته وأبنائه.
وتغنى بعشقه للأحساء التي عمل بها أستاذا في المملكة العربية السعودية، وأهدته أجمل شعره.
والشاعر بارع في مدح الأصدقاء من الزملاء والشعراء والعلماء الذين احتفي بهم تعبيرا عن روح الصداقة الحقة.
وبسيم عبد العظيم شاعر مساجلات من طراز فريد، ينثال شعره انثيالا في صنعة كأنها طبع، وبدائع تبدو كالبدائه إذا استدعينا عنوان كتاب: “ابن ظافر” ” بدائع البدائه”.
ولأن شاعرنا محبوب مشهور بتفانيه في العمل الثقافي والإبداعي العام، زخر شعره بأنشطته الدائبة في المحافل الأدبية، والفعاليات العلمية والفكرية ينتج منها عسلا جنيا فيه شفاء للناس.
بسيم عبد العظيم لا يترك مناسبة عامة أو خاصة دون أن يشارك فيها بعقله وقلبه وقلمه وبيانه، يحب الأصدقاء ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم ,و يذكر أسماء أبنائهم، ويقرظ صفاتهم الجميلة، ويرثي موتاهم، ويهنئ من ظفر بمناسبات سعيدة، وشعره في هذه المجالي يدل على شخصيته السمحة، وإنسانيته الرفيعة.
وهو لا يحيد عن السنن الديني والروح الصوفي يتجلي في شعر يسمو بالروح في تصويره لرحلات الحج والعمرة وزيارة الحرمين الشريفين بمكة والمدينة.
وقد استهل ديوانه بالمديح النبوى، فى قصيدة بعنوان: “هادي البرية”، يقول منها:
ما لي رأيت سماءنا قد زُيِّنت
بنجومها لتبدد الظلمات

واصفا نور النبي محمد صلى الله عليه وسلم، راجيا شفاعته وهو يدعو الله بقوله:
رضاؤك ربِّ عني جل قصدي
ينجيني ويهديني فأغنم

ويوصي الشاعر ابنه في قصائد كثيرة بأن يتمسك بالدين والخلق، وأن يكون ناجحًا نافعًا للأهل والوطن.
ويتبرك بمولده في يوم الاثنين موافقا عاشوراء، قائلا:
يا يوم عاشوراء صومك سنة
أحييتها طمعا بحب محمد

ولدي ونور العين والأمل الذي
من أجله أمسـي ويومي وغدي

أوصيك دوما بالعفاف مع التقي
وبحفظ قرآن كريم خالد

وفي قصيدة “من وحي الحج” يقول الشاعر:
جناح الشوق يحملني
إلى أوطان أحبابي

قضينا منسك الحج
تعلقنا بأهداب

رجونا عفو مولانا
غفور الذنب تواب

وعلى ذلك تسري الروح الشفيفة في شعر رقيق يعبر عن مكامن الصلاح في نفس الشاعر ، وعن مذهبه الشعري السهل في عمق وأصالة وتشرب من المناهل العذبة للحضارة الإسلامية والتراث الأدب العربي الرصين.
وقد تمثل هذا في تصدير الشاعر لديوانه بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا”.
ويطير بالشاعر الشوق لزيارة المدينة المنورة، فيقول من قصيدة “جناح الشوق”:
جناح الشوق طار بنا لأرض
بها خير البرية أجمعينا

وفي رحلة عمرة يقول من قصيدة “موكب الإيمان”:
موكب الإيمان يسـري
نحو بيت الله يجري

وينظم الشاعر في مكة المكرمة قصيدة رائعة يقول منها:
كم طفت حول البيت أرجو رحمة
بشـراك يا أم القرى بشـراك

كم طاف فيه وكم يطوف ملائك
حبا وإجلالا لمن سوَّاك

أما حب الزوجة والأحساء فقد دفعا الشاعر بسيم عبد العظيم لنشر هذا الديوان بعد تردد، وخيرا فعل لأن هذا الحب ألهمه خير شعره.
يتغنى الشاعر باسم زوجته الفاضلة الدكتورة “كريمة ريحان” مشتقا من اسمها وصفاتها كل معنى للود والسكينة والمرحمة.
يقول من قصيدة “إلى كريمة”:
إلى معشوقة الذات
فداك النفس يا ذاتي

إلى روحى إلى عمرى
إلى ماضيَّ والآتي

كلمات معبرة بعفوية وصدق عن خالص الحب، وقد نظم الشاعر على لسانها بعض القصائد في المناسبات المختلفة ليؤكد أنها ذاته.
وزوجته الكريمة في شعره هي الروح والزاد في الإقامة والسفر, وهي عونه في دينه ودنياه ، يلهج بشكرها ،و حمد خصالها الجميلة:
قلب كريم والخلال عظيمة
والحسن زاه والتقى يرضيني

وهي روضته ومحل سعادته وحصن شجونه وحبه الأول، يلتقي في ذلك مع قول الشاعر:
نقلِّ فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب إلا للحبيب الأول

رضاها فرحة الشاعر، وجمالها دنياه، يفديها الشاعر بنفسه، يقول فيها:
فداكِ نفسـي وروحي
وخافقي وحياتي

وأنتِ نبع حنان
يفيض بالمكرمات

وبمصرية رشيقة اللهجة, آزرته يقول ، حلوا:
وقفتِ (جنبى) كثيرا
في أحلك الأوقات

وكنت ظلا ظليلاً
يا أجمل الواحات

وهي أم الأبناء التي يدعو لها ولهم بصالح الدعوات، بركة في العمر والرزق.
والزوجة خير المتاع:
خير المتاع كما يقول رسولنا
وكذاك يأمرنا بها الفرقان

أما الأحساء فقد شغف الشاعر بسيم عبد العظيم بها حبا, شهدت نشاطه الشعري والتربوي في تعليم البنات بجامعتها , ولقي فيها زملاءه العلماء، وأصدقاءه الشعراء، وصدح بالشعر فيها بمختلفات اللحون.
ولعل أجمل قصائده وأطولها قصيدة “أحساء تيهي على الأتراب” إذ يمضي في تدفق شعري رائع، وقد أسره جمالها الطبيعي، وأصالة أهلها، يقول في مطلعها، مرددًا اسمها:
أحساء تيهي على الأتراب أحساء
فيك الجمال وفيك النخل والماء

ويمضي معددًامحاسنها وفضائلها في مثل قوله:
فأنتِ منهل علم طاب مورده
منه ارتوى من قديم الدهر أبناء

في ظل نخلك كم طابت مجالسهم
| وفيكِ كم نطقت بالدُّرِّ شعراء

لله در المعّرِّي حين قال لنا
مصرٌ على العهد والأحساء أحساء

هل كان يعلم أنَّا سوف نعشقها
عشق المتيَّم قد أضنته حسناءُ

وقد أجاد الشاعر توظيف شعر المعري، مستلهما روحه الشعرية المتفردة في التعبير عن حبه للأحساء.
وفي (هجر)/ واحة الأحساء، وكلية التربية للبنات التى كان الشاعر أستاذا فيها، يقول:
وأينعت الثمار بأرض هجر
وصار نخيلها مثلا مبينا

تفجر نبعهم بالشعر عذبا
نميرا سائغا للناهلينا

وصار لأهلها خلق جميل
وعلم زانهم دنيا ودينا

حللت بأرضهم أسعي بعلم
أعلمه البنات
اوالبنينا

ومن قصيدة “أنا الحسا خُلقت للحسن أصلا” يقول الشاعر:
أنا الحسا بجمالي
فتنت شيخا وكهلا

وكم سبيت شبابا
حتى دنا فتدلى

أسرتهم بعيون
تفيض ماء وظلا

وما أعذب النبع القرآني الذي استقي الشاعر من معينه العذب، وما أروع “التورية” في قوله: “أسرتهم بعيون”، وما أحسن الشعر حين يصدر عن حب صادق أصيل تكرمة للمكان المحبوب, والشاعر قد أسرته الأحساء في مساجلة له مع صديق شاعر، يقول فيها:
أحساء قد أسرتني
أسر الحبيب يهيم

ويقول من قصيدة “يا عاشق الأحساء” مزاوجًا بينها وبين عاشق الحسناء:
يا عاشق الأحساء حسبك أنها
كرمت وطابت موئلا ومآبا

فهي ملهمة الشعر، وواحة الجمال:
فالحسن يُغري بالقريض فينثني
متدفقا مترقرقا منسابا

فيها الطبيعة قد تضاعف حسنها
ماء ونخلا شامخًا وشبابا

يقول في مائها ونخلها وطيرها:
يا طيور الحسا تغني وزيدي
ردِّدى يا طيور عذب النشيد

يا نخيل الحساء عانق “سماء”
في شموخٍ وردِّد اليوم عيدي

يا عيون الحسا أفيضـي علينا
سلسبيلا من المياه وجودي

والبهجة بالطبيعة الخلابة سارية في هذه الصور الشعرية، متسقة مع عنوان القصيدة: “اليوم عيدي”.
كذلك يشيد الشاعر بالحسا في قصيدة “سنون بالحسا”, ويجعلها منبع العلم والفضل والأدب، ويلتحم هذا الحب الكبير بسلام نفسى يملأ قلب الشاعر المتصالح مع ذاته ، المحب لما يجري في الحياة ، راضيا مطمئنا.
يجرى فى ديوانه شعر كثير يشيد فيه بوالديه، ويتغني بحب مصر، ويخص الإسكندرية ببعض هذا الشعر، ويحتفي بالأزهر الشريف وبعلمائه.
ويتري التناص في شعره بديعًا متمثلا في قوله في والده:
ذكرتَّني ما قال شوقي منصفًا
من حكمة ثبتت على الأزمان

“دقات قلب المرء قائله له
إن الحياة دقائق وثوان”

ويستلهم شاعر النيل “حافظ إبراهيم” في قصيدة بعنوان: “إلى أمي الحبيبة” ، مطلعها:
أمي إليكِ تحية المشتاق
ومحبة نشـرت على الآفاق

ويتأمل الحياة والأحياء بنظرات فلسفية عميقة صورها في مثل قوله:
قلوب الناس شتى رغم قرب
وملء قلوبنا سكن الوئام

والقصيدة بعنوان: “دين الحب والسلام” دليل على هذا , والشعر ملاذ الشاعر، وبث للشجون :
أبث فيه شجوني
فقصائدي بكر

فها هو الشعر ، وها هو الشاعر اجتمعا تعبيرا عن صورة نفسه، وعنوان ذاته ، كما قال بسيم عبد العظيم في مقدمة ديوانه نفاذا إلى جوهر الشعر، فتحية إلى الشاعر نرددها مع من قال فيه :
يا صاحب القلب الكبير تحية
والحب في قلبي إليك عظيم

شاهد أيضاً

الجمعة المقبل.. افتتاح جناح سلطنة عُمان في بينالي البندقية الدولي للفنون 2024

عدد المشاهدات = 2079 مسقط، وكالات: تشارك سلطنة عُمان يوم الجمعة القادم بجناح في الدورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.