حياتي اليوم صحيفة إلكترونية يومية
تكتبها: د. نسرين مصطفى
————————————————————————————
“ما اشبة الليلة بالبارحة”، ذكرتني معارك الدبلوماسية المصرية الرشيدة في هذه الفترة، والهادفة إلى الحفاظ على حق الدولة المصرية فى نهر النيل، بما خاضته الدبلوماسية المصرية عقب توقيع اتفاقية السلام مع اسرائيل، ومحاولة بعض الدول تقليص دور مصر الاقليمي، ثم دورها في الحد من امتلاك اسرائيل لأسلحة الدمار الشامل لتكون الاقوى في المنطقة، وهو ما قرأته في كتاب “كتابيه” للدبلوماسي المخضرم والمرشح الرئاسي السابق عمرو موسى وما وجدته في كتابه من مفاجآت، صححت الكثير من المفاهيم وفسرت الكثير من الأحداث المهمة.
الكتاب يستحق أن ينشر في أجزاء وليس جزءا واحدا، ليكون موسوعة تتعلم منها الأجيال، فالكتاب تاريخي وتوثيقي أكثر منه كتاب سيرة ذاتية، نظرًا للمعارك الدبلوماسية التي خاضها “موسى” في جميع مناصبه سواء كسفير لمصر ثم وزيرا للخارجية أو أمينا عاما لجامعة الدول العربية.
عده نقاط أثارت أعجابي في كتاب “عمرو موسى” الموسوعي، والذي يرصد فترة مهمة في تاريخ مصر، وتاريخ الدبلوماسية المصرية وعلى رأسها، أن الكاتب – خالد أبو بكر محرر الكتاب – أوضح في بداية الكتاب منهجه في الكتاب وكيفية تناوله للأحداث ومنهجه في جمع المعلومات وتوثيقها، مقدما خريطة واضحة للكتاب فصرت أقرأ على هدى فكانت المقدمة نقطة لتنظيم الأفكار وترتيبها مما سهل قراءة الكتاب رغم كبر حجمه، وحمل معه كثيرا من التشويق والإثارة.
وتعد لغة الكتاب – من أهم مميزاته – حيث جاءت سهلة وبسيطة وعميقة في نفس الوقت ومعلومات مركزة رغم كثرة الأحداث إلا أن الكاتب يلفت انتباه القارئ بطريقة تناوله للأحداث.
إن كثرة اعتماد الكاتب على الوثائق والكتب والموسوعات والسير الذاتية تؤكد مصداقيته في تناول الأحداث التي كان “موسى” مشاركا في صنعها أو شاهدا عيان عليها، وهو الأمر الذى جعلني كقارئة اتشوق إلى صدور الجزء الثاني من الكتاب والذى يروى أحداث ما بعد يناير 2011 ، فمن الواضح أن موسى سيكون لديه الكثير ليرويه للقارئ.
تطرق الكتاب إلى الجوانب الإنسانية الدقيقة التي تخص وزير الخارجية الأسبق، والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، ومنها طفولته وشبابه و تعليمه وعلاقته بأفراد عائلته، وكيف تعرف على زوجته السيدة ليلي بدوي وهى مواقف تؤكد الجانب الإنساني في حياة موسى، والذى يمكن تحويله الى فيلم سينمائى مشوق، قصة تعرفه على زوجته قدرية وبسيطة.
أهم ما يجعل الكتاب قيما ما يحتويه من معلومات خاصة المعارك الدبلوماسية التي دارت بعد توقيع اتفاقية السلام، ومحاولات بعض الدول العربية فرض العزلة على مصر، وهو ما نجحت الدبلوماسية المصرية فى تحجيمه ومحاصرته، ومن أهم القضايا التي فسرها موسى وفندها حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل، ودور مصر في كشف الألاعيب الإسرائيلية، والأمريكية في هذا المجال، ومعلومات مؤكدة عن بداية مشروع الأسلحة النووية الاسرائيلية، وتاريخه، وهو ما يدحض بعض الأقاويل التي كانت تروج لفكرة تقصير الدولة المصرية في هذا الاتجاه.
مثل هذه المؤلفات التي تبرز تاريخ الدبلوماسية، والتي يعد مؤلفها أحد مدارس الدبلوماسية المصرية الحكيمة، هي استكمال لمذكرات العديد من الشخصيات الدبلوماسية تمنحنا الثقة في تاريخ الدبلوماسية المصرية الرشيدة الذكية والتي لا تجف ولا تنضب.
