الثلاثاء , 23 أبريل 2024

“زائر من سيرا”…قصة قصيرة بقلم إبراهيم محمد

= 733

ـ هل لدي أحدكم سؤالا فيما شرحته اليوم ، أو يرغب في إعادة لشرح جزئية معينة استعصي عليه فهمها ؟
هكذا قال الدكتور شاهين ، المدرس في كلية علوم الفضاء بمحافظة سيناء ، وهو يدير بصره بين طلابه ..
ولما لم يجب أحدهم علي سؤاله ، قال بصوته الرزين :
ـ أذن تفضلوا ..
ثم أنحني نحو حقيبته الجلدية ، وأخذ يضع بها حاجاته ، من قلم ليزري ، وجهاز حاسب بحجم صغير ، وهاتفه الحديث والذي لا يتعدي حجمه كف اليد ، ودارت اشائعات حوله بين طلاب دفعته وزملاؤه ..
وبينما هو يمضي في ممر المدرج ، إذا به يسمع صوتا يناديه :
ـ دكتور شاهين ، من فضلك ..!
تلفت حوله ، فوجد طالبا من طلابه .. ابتسم ، وقال له :
ـ أهلا …
رد الشاب بلهجة باردة :
ـ أريد أن أستفسر من حضرتك عن بعض الأمور ..
قال الدكتور شاهين في شيء من الامتعاض :
ـ ولكنني سألتكم بعد نهاية الشرح ، ولم يجب أحدا منكم !
وصمت لحظة ، تطلع فيها إلى وجه الشاب فألفاه باردا لا يعبر عن شيء ، ثم قال وهو يزفر في ضيق :
ـ حسنا .. تفضل معي ..
ومضيا نحو مكتب الدكتور شاهين ..
وما أن وضع حقيبته علي المكتب ، حتي وجد أمامه الخادم الآلى ، يقول بلغته العربية الرصينة :
ـ هل من خدمة أؤديها لسيدي ؟
فنظر الدكتور شاهين نحو طالبه ، وسأله :
ـ ماذا تشرب ؟
وفجأة أمتقع وجه الشاب بشدة ، وقال :
ـ شكرا .. لا أشرب شكرا ..
فقال الدكتور شاهين له :
ـ ولا حتي كوب من الماء .. إنه مفيد لتفتيت الحصى في الكلى .. ويساعد علي التخسيس .. و ..
ولفت نظره أن وجد في عيني الشاب أهتماما كبيرا بما يقول ، وكأنما يسمع هذه المعلومات أول مرة ..
قال الدكتور شاهين للخادم الآلي :
ـ حسنا يا ر – 15 ، يمكنك أن تحضر لي كوبا من اليانسون وآخر من الماء الدافيء .. كم يحتاج صوتي للراحة بعد عمل اليوم !
وخرج ر – 15 بسرعة ، وبحركة آلية تقليدية ..
وهنا التفت الدكتور شاهين للشاب الذي كان يجلس أمامه ، وسأله :
ـ حسنا .. ما الذي ترغب في الاستفسار عنه يا … ؟
وصمت ليمنح الشاب فرصة ، ليقول اسمه .. وقال بلهجته المحايدة :
ـ تيمور ..
ـ تيمور ! .. حسنا .. اسما جذابا ..
وكرر سؤاله :
ـ ما هو الذي ترغب في الاستفسار عنه يا .. تيمور ؟!
أعتدل الشاب في جلسته أكثر ، وقال بسرعة :
ـ الحقيقة هو ليس سؤالا مني شخصيا .. ولكنه كان من زميل ، زميل في المحاضرة سأله اليوم ، ولفتت إجابتك نظري يا دكتور ..
فنظر له الدكتور شاهين في فضول لتذكر السؤال الذي طرح عليه في المحاضرة ، وما كان أكثرهم !
أردف الشاب :
ـ إنه يتعلق بالحياة علي الكواكب الأخرى ..
فندت عن الدكتور شاهين آهة ، تعني تذكره لذلك السؤال .. وتذكر أن أحدا من طلابه سؤاله في صباح اليوم أثناء المحاضرة عن مدي اقتناعه بوجود مخلوقات أخرى علي الكواكب الأخرى …
ـ والحقيقة أن إجابتك أدهشتني كثيرا يا دكتور شاهين !
فسأله الدكتور شاهين في تعجب :
ـ ولماذا أدهشتك ؟!
رد الشاب :
ـ لقد قلت للزميل : أنك وبعد تجارب عديدة عالمية ومحلية ، بت مقتنعا بعدم الاقتناع بذلك الرأي .. وأنه لو كانت هناك مخلوقات حية علي كواكب أخرى ، لربما كان ذلك في الماضي فقط ..
فسأله الدكتور شاهين في تعجب أكثر :
ـ حسنا .. وما الذي لا يعجبك في ذلك القول ؟
أجابه الشاب :
ـ ليست المسألة في أن يعجبني ردك أم لا يعجبني يا دكتور .. لقد عودتنا أن الأراء لا نتعامل معها بالمطلق .. ولكن ينبغي أن نناقشها …
وقطع حديث الشاب دخول ر – 15 إلى المكتب ، حاملا ما طلبه الدكتور .. وكرر سؤال مرة أخرى للدكتور :
ـ هل من خدمة أؤديها لسيدي ؟
فرد الدكتور شاهين علي الفور :
ـ شكرا يا ر – 15 ..
وخرج الخادم الآلي علي الفور ، بعدما استشعر من رد الدكتور شاهين السريع رغبته في خروجه كي لا يعطله عن شيء ..
عاد الدكتور شاهين للشاب ، وقال له :
ـ أكمل ما تقول ..
فأردف الشاب :
ـ إن حكمك المطلق علي هذه المسألة لم يقنعني يا دكتور .. وكذلك لم استوعبه !
فتناول الدكتور شاهين كوب اليانسون ، وارتشف منه قليلا .. فألفاه ساخنا ، فأعاده مكانه ، وقال :
ـ حسنا .. فيما يبدو لي أنك هنا لا لتتعرف إلى رأيي ، فهو كما ذكرته في المحاضرة ولا يمكن أن أغيره بالطبع هنا .. ولكن يبدو أنك أتيت لتسمعني رأيك بالتحديد في هذه المسألة ، وهي مسألة بالطبع شائكة وغامضة …
فقال الشاب :
ـ أنك فطنا للغاية يا دكتور شاهين .. وربما تستطيع قراءة الأفكار .. ولكن دعني أقول لك أنه طالما أن المسألة شائكة وغامضة ، فهي بالطبع لا تستدعي رأيا قاطعا .. كما فعلت أنت !
ـ لك حرية أن تقتنع برأيي طالما هو لا يروق لك .. أنني أريد أن أسمع رأيك أنت يا .. يا تيمور !
ـ إن رأيي يخالفك تماما يا دكتور شاهين .. إنني مقتنعا بوجود حياة علي الكواكب الأخرى .. مخلوقات حية .. حياة ربما ليست كالموجودة هنا علي كوكب الأرض ، ولكنها حياة ..
فابتسم الدكتور شاهين ، وسأله :
ـ وما هو دليلك الذي بنيت عليه رأيك ذلك ؟
فرد علي الفور :
ـ دليلي هو عدد من الأبحاث والمقالات التي كتبت ونشرت بخصوص ذلك الأمر ..
قال الدكتور شاهين ببساطة :
ـ ولكنها أبحاث لم تمنح رأيا قاطعا .. ولذلك أسقطتها من حساباتي قبل أن أعطي رأيي الحاسم .. وأظن أنه ليس خافيا عليك أنه إن كان هناك من العلماء من يقتنع بما تقول ، فأنني وغيري – وأحسب نفسي من العلماء المشهورين حول العالم ، والمؤثرين فيه أيضا – نقتنع بالرأي الآخر …
ـ ولكنهم لم يمنحوا رأيا قاطعا كما فعلت يا دكتور ..
ـ هم في شك من الأمر ، وأنا ليس من عادتي كثرة الشك ولا التردد …
وعاد ليشرب من كوب اليانسون ، وكانت قد هدأت سخونيته قليلا ..
قال الشاب :
ـ أتعلم يا دكتور أن هناك عالما قد أصيب بالجنون ..
فضحك الدكتور شاهين ، وقال :
ـ ما أكثر من أصابتهم اللوثة من العلماء !
أردف الشاب ، دون أن يلتفت لمقاطعة الدكتور شاهين :
ـ والمثير أن الجنون أصابه بعدما تأكد من رأيا بخصوص هذه المسألة .. لقد تأكد من وجود كائنات حية علي الكواكب الأخرى .. وليس الأمر فقط منتهي عند ذلك الحد .. بل أنه أكد أن بين البشر علي هذا الكوكب – كوكب الأرض – عددا مهولا من هذه المخلوقات الحية علي الكواكب الأخرى … وتحديدا كوكب يدعي سيرا ..
فنظر له الدكتور شاهين نظرة بها كثيرة من الدهشة .. وواصل الشاب حديثه بلهجته الباردة ، وكأنما هو متأكد من كل حرف يقوله :
ـ ومخلوقات هذا الكوكب – سيرا – تعيش هنا .. يمكنها أن تتشكل في هيئة البشر العاديين .. تحيا مثلهم .. وتمارس حياتهم كما يمارسونها بالضبط .. في انتظار لحظة ما يمكنهم أن يعودوا لصورتهم الأولى …
فرد الدكتور شاهين في خوف :
ـ ومتي هي هذه اللحظة ؟!
رد الشاب ، ووجهه يفتر عن ابتسامة غامضة .. مخيفة :
ـ أن يزداد عددهم .. ويقوموا مثلا باحتلال هذا الكوكب ، بواسطة قدراتهم الخارقة .. وعددهم الآخذ في الأزدياد ..
دق قلب الدكتور شاهين خوفا ، بينما قام الشاب من مكانه ، ومد يده ليصافح الدكتور ..
ـ أودعك يا دكتور .. وأعدك أنني لن أزعجك مرة أخرى بسؤال لي ، فأنت لن تراني مجددا في قاعتك العلمية ..
ومد الدكتور شاهين يده ، وقد ارتجفت من خوف ما حل به ، وقدمها ليصافح الشاب ..
وفجأة !
صرخ الدكتور شاهين من الرعب ، حينما أحس بيده لا تصافح يدا بشرية ، بل شعر بها تغوص في كتلة هلامية من الطاقة ..
وفاجأه أكثر ، حينما نظر إلى الشاب ، فوجد وجهه يتقلب بطريقة أكثر رعبا ..
فرآه يتشكل بهيئته هو .. هيئة الدكتور شاهين .. بشحمه ولحمه .. ثم يتحول إلى هيئة أكثر رعبا لكائن أخضر اللون .. طويل الهيئة .. ذو عينان حمراوان .. وجسد يشبح السحالي .. ويطلق ضحكات مخيفة ..
ثم عاد كما كان للهيئة التي قابله عليها منذ قليل .. وخرج عبر الباب دون أن يفتحه !!
فزاد صراخ الدكتور شاهين ، ورعبه من الموقف ..
وهنا دخل ر – 15 ليسأل سيده ، سؤاله المعتاد :
ـ هل من خدمة أؤديها لسيدي ؟!

شاهد أيضاً

الجمعة المقبل.. افتتاح جناح سلطنة عُمان في بينالي البندقية الدولي للفنون 2024

عدد المشاهدات = 5845 مسقط، وكالات: تشارك سلطنة عُمان يوم الجمعة القادم بجناح في الدورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.