الخميس , 25 أبريل 2024

لمى طيارة تكتب: كم “شلّاطا” يجتاح مجتمعاتنا؟

= 1603

قبل عام من ثورة يناير 2011 وتنحي الرئيس محمد حسني مبارك، قصدت قاهرة المعز في زيارة عمل، وانتابتني حالة هلع بعد سماعي خبرا عن فتية مجهولين يلاحقون النساء على الطرقات ويضربوهنّ بأداة حادة. إلا أنّني، لم أصادف أياً منهم، ولم تخبرني أي صديقة أو قريبة عن حادثة مماثلة حصلت معها.

لكن ممّا لا شكّ فيه، أنّ قصّة هؤلاء الفتية ليست شائعة. لكن مع مرور الوقت، انطفأت هذه القضيّة، ربّما لأنّ الشارع المصري قد انشغل بالربيع العربي وبأمور حياتية. في تونس، منذ عشر سنوات، تحديداً عام 2003، انتشر الخبر ذاته، وتداولته وسائل الإعلام.

لكن المضحك، أنّ القصّة التصقت برجل واحد، أُطلق عليه "شلاّط تونس" أي الذي يطارد النساء. ولم يستطع أي تونسي الالتقاء به أو حتى ضبطه متلبساً. أمسى هذا الرجل الأسطورة قضية الكّتاب والرواة. فكتب الروائي كمال الرياحي رواية (المشرط) التي تحدّثت عن صاحب المشرط أو ما يسمى بـ"الشلاّط" بالتونسية ونشرها عام 2006. ثمّ أعاد نشرها ثلاث مرات متتالية ونالت نصيبها من النقد والجوائز.

نسج الكاتب روايته من وحي الخيال حول صحافي تكلّفه إدارة الجريدة التي يعمل فيها بالتحقيق في قضية الشلاّط. وفي زمن سيطرت فيه الصورة على القلم، عادت المخرجة التونسيّة كوثر هنية بفتح ملف هذا الشلاّط عام 2013، بعد ثورة تونس وهروب الرئيس زين العابدين بن علي. وبدعم فني وطني وفرنسي، قامت كوثر بكتابة قصة شلاّط تونس ليكون أوّل فيلم روائي طويل يجمع في إخراجه بين الوثائقي والروائي.

Lama Tayara

حاولت كوثر للمرة الثانية، القيام بدور صحافي استقصائي، وبدأت رحلت بحثها عن حقيقة هذا الرجل الغامض الذي أخاف الناس لسنوات. وأوضحت المخرجة أنّ الشلاّط مجهول الهوية، أصبح جزءاً من خيال شعبي كما (الغول)، يقترف جريمته ويختفي. وأحسّت أنّ شخصيّته باتت مغرية لتقديمها في عمل سينمائي، خصوصاً لأنّها عكست الحالة المرضية التي كان يعاني منها المجتمع التونسي في ظل الديكتاتورية التي كانت تمنع عمل الصحافة الاستقصائية.

هذا الأمر جعل الشائعات حول قضية الشلاّط وغيرها، مصدراً أساسياً للمعلومات التي يتم تداولها في المقاهي والأحياء. مؤكدة، أنّ حوادث مماثلة كانت قد وقعت في بلدان عربية أخرى، وكان للشلاط لقب محلي (في مصر سفاح المعادي، في المغرب بو البيكالة…).

بالنسبة لهنيّة، كانت الكتابة بمثابة عملية حفر في أعماق المجتمع التونسي لإنشاء بورتريه معقّد للشلاّط وماورائياته. عرض الفيلم في أكثر من 35 مهرجاناً عربياً وأجنبياً وحصد عدة جوائز. ومع ذلك، لم ينتبه الناس للفيلم وأنا واحدة منهم، على الرغم من عملي في حقل السينما، ولم أصادف مقالاً كتب عنه. علمت به، عندما عرض في بيروت وتكلم الناس عنه كثيراً. الامر الذي يعني بشكل مباشر ان الافلام كما الروايات الأدبية لا يكفي ان تقدم للنخب ولا يمكن ان تكون مثمرة ما لم تلامس الجماهير، وان المهرجانات السينمائية مثل معارض الكتب الثقافية، في احيان كثيرة ليست كافية للوصول للجماهير العريضة مهما  كبر شأنها.

ويبقى السؤال الذي لا زال يؤرقني على عتبة عام 2015 واختلال الأمن والأمان في بلاد عربية كثيرة هو: كم شلاّطا يجتاح مجتمعاتنا؟

—————————–
الكاتبة إعلامية وناقدة سورية

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 3534 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.