الثلاثاء , 30 أبريل 2024

دروس عظيمة يحصِّلها المسلم في مدرسة الصيام

= 2841

 

شرع الإسلام الصوم، فلم ينظر إليه على أنه حرمان مؤقت من بعض الأطعمة والأشربة، بل اعتبره خطوة إلى حرمان النفس دائما من شهواتها المحظورة ونزواتها المنكورة.

وإقرارا لهذا المعنى قال الرسول صلى الله عليه وسلم : “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه “

وقال: “ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد أو تجهل عليك فقل: إنى صائم “.

والقرآن الكريم يذكر ثمرة الصوم بقوله :”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة/183]”.

ويقول صلَّى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل؛ فإن سابَّه أحد أو شاتمه فليقل:إني صائم)

وإذا كبَح الصوم المعاصي نال العبد منزلة راقية في العبودية لله ؛ لأنَّ الصوم ـ الذي يراد به مجرد الإمساك عن الطعام والشراب ـ يستطيعه كثير من الناس ، بيدَ أنَّه ـ سبحانه ـ أراد من عباده أن يكون صومهم منقياً لهم من المعاصي وما دار في فلكها، وقد ذكر الإمام ابن حجر العسقلاني أنَّ العلماء:” اتفقوا أنَّ المراد بالصيام صيام من سلم صيامه من المعاصي قولاً وفعلاً “.

والحقيقة أنَّ الناس انقسموا في الصيام إلى عدَّة أقسام: فمنهم من يكون صيامه الإمساك عن الأكل والشرب فقط ، إلاَّ أنَّه مرتكب للفواحش مطلق بصرَه لما حرَّم الله من النظر إلى النساء غير المحارم، وبعضهم قد أرخى لأذنه لكي تستمع للأغاني المحرمة ، ولا يخفى على ذي لبٍّ ما فيها من الفسق والكلام الفاحش ، وبعضهم أطلق لفمه العنان بالكلام الساقط، والعبارات الرذيلة، والغيبة والنميمة، وشهادة الزور والكذب؛ فهل هذا صيام من أراد جنَّة الرضوان ؟!

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وهو الصادق المصدوق حيث يقول:”رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ، ورب قائم حظُّه من قيامه السهر”

إذا لم يكن في السمع مني تصاون * وفي بصري غضٌّ وفي منطقي صمت
فحظِّي إذاً من صومي الجوع والظما * فإن قلت: إني صمت يومي فما صمت

ولهذا فإنَّ هؤلاء الذين فرَّطوا بصيامهم يعتبرون محرومين في شهر الصوم ، مفلسين في شهر الجود والإحسان ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم مرَّة لأصحابه :” أتدرون ما المفلس ؟
قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع .
فقال : إن المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا، وضرب هذا . فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته . فإن فنيت حسناته ، قبل أن يقضى ما عليه ، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه . ثم طرح في النار”

•لا معنى لظاهر الصيام إن لم تتأدب النفوس:

من صام في نهار رمضان، ولم يصم لسانه من غيبة الآخرين وهتك أعراضهم، ولم تصم يده من إيذاء الآخرين والنيل منهم، ولم يصم قلبه من الأحقاد والغلِّ على إخوانه المسلمين، فإنَّ صيامه ناقص، وفيه تفريط كبير لحدود الله.

وممَّا يعجب له المطَّلع على أحوال بعض العوام حيث يحفظ هؤلاء حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ :(الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهنَّ )..ثم يقفون عند هذا الحدِّ، وينسون أو يتناسون تكملة هذا الحديث:( إذا اجتنبت الكبائر).

فليدرك الإنسان نفسه ، وليجدد توبته لربه، وليبتعد عن منكرات الأخلاق والأقوال والأعمال؛ فإنَّ رسول الهدى ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول في الحديث الصحيح: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه.

وما معنى حقيقة الصيام إن كان المرء يصوم عن الطعام والشراب، ولكنَّه لا يصوم عن السباب والفحش والبذاءة باللسان، ولا يصوم عن غض البصر عمَّا حرَّم الله؟!

يقول الإمام ابن رجب (فصيامنا هذا يحتاج إلى استغفار نافع، وعمل صالح له شافع، كم نخرق صيامنا بسهام الكلام ، ثمَّ نرقعه ، وقد اتسع الخرق على الراقع، والمقصود أنَّ من أراد الصوم الحقيقي فليحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى ، ويذكر الموت والبلى، ويريد الآخرة فيترك زينة الدنيا فهذا عيد فطره يوم لقاء ربه وفرحه برؤيته:

أهل الخصوص من الصوام صومهم *** صون اللسان عن البهتان والكذبِ
والعارفون وأهل الأنس صومهم *** صون القلوب عن الأغيار والحجبِ

شاهد أيضاً

الأسباب العشرة الموجبة لمحبة الله عز وجل

عدد المشاهدات = 850 ✍️ صفاء مكرم الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.