في طفولتنا، كان اليوم الذي يسبق العيد عيدا حقيقيّا، بكلّ ما في العيد من حيويّة، ونشاط، لانشغال الجميع بالتجهيز لهذه الفرحة بما يليق بها من تجهيز ثياب العيد، وكنّا نسخر من الذين يرتدون الملابس المخصّصة للعيد في ذلك اليوم، إلّا للتأكّد من قياساتها على أجسادنا الصغيرة، والنحيفة، شرط أن يكون ذلك داخل البيت بحيث لا يراه الأخرون قد ارتداها قبل الصباح، ويكون شغلنا الشاغل ، في ذلك اليوم ،هو التثبّت من الأماكن المخصّصة للألعاب، والأراجيح، و"دولاب الهواء"، وكانت النسوة ينشغلن بإعداد أطباق كعك العيد الذي يسمّى محليّا "المعمول"، أو" الكليجة"، المصنوعة من الدقيق، والسمن البلدي، المحشاة بالتمر، والمكسّرات، والسمسم، وحملها إلى الأفران، والعودة بها حارّة تسبقها رائحة الهيل، والمطيّبات التي تدخل في إعدادها معلنة أن العيد يطرق الأبواب، وخلال ذلك ينتظم الأطفال في مجموعات، تردّد:
بينما ينشغل الرجال باحضار الأضاحي، وتهيئة غرفة الضيوف لاستقبال المهنئين، ولوازم الموائد، وتنشغل النساء بوضع الحنّاء في أيديهنّ، وشعورهنّ، وتجهيز الحلي المعدّة لارتدائها في العيد، ويستمرّ هذا الحال إلى وقت متأخّر من المساء، وتكون فواصل برامج الإذاعة، والتلفزيون محشوّة بمقطع من أغنية " أم كلثوم" " الليلة عيد" ، أو " ياليلة العيد":
ورغم تعب اليوم الذي يسبق العيد، والسهر، إلّا أنّنا اعتدنا أن نرى الجميع ينهض باكرا صباح اليوم التالي : صباح العيد، لارتداء الملابس الجديدة ، ومرافقة الآباء لأداء صلاة العيد، ومواصلة الجري في مواكب الفرح بـ"ماراثون" العيد.