السبت , 27 أبريل 2024

هبة عمر تكتب: الفريق الثالث!

= 1558

Heba Omar


حين اخترت منذ زمن الكتابة عن وجع القلب وجعلته عنوانا لمقالي ،كنت أسعي لنقل مايشعر به الناس وما يؤلمهم ويجعل الحياة عصيبة ومرهقة لهم، بحثا عن حلول ممكنة، أو لفتا لانتباه من بيده الحل والربط، أو رصدا لوضع عام يحتاج إلي وعي لتغييره أوتعديله وإصلاحه، وربما يكون هذا السعي قد حقق النجاح حينا، أوحقق الفشل حينا، ولكن مايبقي في النهاية هو راحة الضمير وأمانة الكلمة، وأداء واجب تفرضه مسئولية من يحمل قلما، وتتاح له مساحة للتعبير عن رأي مخلص لوجه الله والوطن.

ربما تكون هذه السطور واجبة لبيان موقف مما يحدث الآن من ترصد وإنحياز وتقسيم للمصريين، بين من يتبني موقف السلطة علي الدوام ويهاجم كل رأي أوفكر أوموقف أو محاولة للتساؤل لا تتفق معه، وبين من يتبني موقف الرفض أو المعارضة علي الدوام ويعتبر كل ماعداه باطلا، كل طرف يطعن الآخر بكل وسيلة دون منح فرصة للحوار العاقل الذي يوضح وجهات النظر ويتيح معلومات تكفي للإقناع والشعور بالارتياح، وكل طرف يشحذ أسلحته ليطلق علي الآخر نيران الاتهامات بالعمالة والخيانة أوعلي الأقل الغباء وعدم الفهم، ومن قضية إلي أخري ومن حادث إلي آخر يتفاقم الشد والجذب وتكال الاتهامات بلا سند أودليل، وتختلط المفاهيم وتلتبس المعاني، ويتحول الوطن بأكمله إلي صراع محتدم يظن فيه كل طرف أنه صاحب الحق الوحيد والرأي السديد!

وبين الولاء التام دون قيد أوشرط، والنفور التام دون عقل أومنطق، يصمت آخرون كرها وكمدا من كلا الفريقين، هم الفريق الثالث الرافض للحرب المستعرة بين الطرفين المتناحرين، والذي ينفر من أساليب وتصرفات وأقوال تتسم بالعنف والمغالاة في الشطط والعداء، ويمكنه رؤية الأشياء علي حقيقتها، أو ما يقترب من حقيقتها، دون الانحياز الأعمي لهذا الطرف أوذاك علي الدوام. هذا الفريق الثالث يري كل إنجاز يتحقق ويفرح به ويدرك قيمته، ويعرف أن  إصلاح الأحوال يحتاج إلي وقت، وأن ما تم خسارته في مصر أكثر بكثير من كل الأزمات الاقتصادية التي نمر بها، وأكبر من الاستهانة به أو التقليل من شأنه، فهناك عطب أصاب جذور الشخصية المصرية وأصاب قيمها، تم إهماله علي مدي سنوات طويلة، لم تسعفه تربية ولا تعليم ولا ثقافة ولا صحة ولا عدالة ولا إعلام.

وهذه هي أعمدة نجاح أي بناء للبشر والدول، ويا ويل أمة تفقد قيمها، لأن الخسارة في القيم فادحة، وتنعكس خطورتها علي أجيال حالية وقادمة، أجيال من الشباب تري الآن مايحدث من انقسام وتشويه وإغتيال معنوي  لأشخاص وأسماء كان يجب أن تكون قدوة، وتسمع كل أنواع البذاءة والسوقية والتدني في الحوار علي الشاشات وعلي أرض الواقع، وتسرق أحلامها حين يهددها شبح " الاشتباه" في أي لحظة، أو القبض العشوائي، أو التعرض للإهانة في عرض الطريق، وتساورها الشكوك فيما يتم تسويقه لها من مبررات لكل قرار، وتنعدم ثقتها في إمكانية وجود فرصة عادلة تحقق طموحها، فيصبح السفر هو الحلم الوحيد!

إذا كان هذا هو عام الشباب بالفعل فأطلقوا سراحه ودعوه يطير مغردا، خففوا قيوده وافتحوا الطريق لأفكاره، ليتعلم وينتج ويحلم ويبدع، قوموا أخطاءه دون قتله، علموه أن يفكر قبل أن يقرر ويختار "نعم" أو"لا"، اجعلوه شريكا ومساهما في بناء وطن يحبه بلا خوف ويثق به بلا شبهة.

———-

hebaomar55@gmail.com

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 5267 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.