السبت , 27 أبريل 2024

هبة حسين تكتب: أنا أفتي .. أنا موجود!

= 1290

Heba Hussain


انتشرت ظاهرة الفتوي في الشارع المصري بشكل غير مسبوق .. الكل يظن نفسه خبيرا وعالما ببواطن الأمور فيسوق الحجج والمبررات ليدافع عن وجهة نظره التي في الغالب لاتستند الي دليل علمي . هذه الفلسفة المصرية الجديدة والغريبة تأتي استكمالا لظاهرة الفهلوة التي طغت علي المجتمع في السنوات الأخيرة، لنجد أنفسنا محاصرين بسلوكيات سلبية يأبي أصحابها الا التمسك بها أيا كان حجم الضرر الناتج عنها .

والمتابع لشبكات التواصل الاجتماعي ولأحاديث الناس في المواصلات العامة ولبرامج الفضائيات، يلاحظ للوهلة الأولي مدي استشراء الفتوي وكأنها تعني الوجود الفعلي والقدرة علي التأثير في الآخرين. وللأسف، يكشف ذلك عن جهل كبير وانعدام الثقافة في المجتمع، وبدلا من المقولة الشهيرة لأبي الفلسفة الحديثة " رينيه ديكارت"  :" أنا أفكر ..اذن أنا موجود" تحول الأمر الي " أنا أفتي .. اذن أنا موجود"، فالكل يريد أن يدلي بدلوه ليس فقط في موضوع يحتاج لخبراء في القانون الدولي مثل جزيرتي تيران وصنافير ولكن في كل المجالات دنيوية ودينية وكأننا عدمنا التخصص.

 فاذا كانت هذه قناعات كثيرين من الشعب المصري، فما فائدة الدراسات العليا التي يسعي اليها عشرات الآلاف من أبنائنا في الداخل والخارج وما هو مقياس الخبرة الذي نعترف به ونقدره. والعيب ليس علي البسطاء وحدهم الذين تحولوا للفتوي من باب اثبات الوجود، فالكارثة الأكبر تكمن في بعض مقدمي البرامج وضيوفهم الذين يدخلون بيوتنا دون استئذان وقد خلع كل منهم علي نفسه لقب خبير حتي أصبحوا نماذج سيئة يقتدي بها البعض.

يذكرني ذلك بالحكمة القائلة: "الناس أربعة..عالم لا يعرف أنه عالم فعرفوه، وعالم يعلم أنه عالم فاتبعوه، وجاهل يعلم أنه جاهل فعلموه، وجاهل يظن أنه عالم فاجتنبوه"، والواضح أن الفئة الرابعة قد استشرت في المجتمع. هنا لابد من وقفة حاسمة لنعيد لكل ذي قدر قدره، فلنترك أي أمور في حياتنا وديننا للخبراء الذين عكفوا علي التعمق في تخصصاتهم طيلة عمرهم ولنستمع منهم للآراء المتابينة وللنقاش بالحجج والبراهين بدلا من الصراخ والتراشق اللفظي الذي يمارسه كثيرون دون وعي.. ما هكذا تدار الأمور والا تحولنا عن قريب الي مستشفي كبير للمجانين.

————-
hebahusseink@gmail.com

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 5274 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.