الأحد , 28 أبريل 2024

عبد الرزّاق الربيعي يكتب: برامجٌ تصنعُ الرجال

= 1628

razaq(1)


خلال تفحّصي  قرارات مجلس الوزراء العماني التي اتّخذها مؤخرا لفتت نظري فقرة إدراج برامج التربية العسكرية في المدارس،  وتأكيد المجلس  على "أهميّة التوسّع في إعداد الطلبة الملتحقين بتلك البرامج، وتقييمها من خلال وزارة التربية، والتعليم بالتنسيق مع الجهات المختصة "، وهو قرار يستحق وقفة لما للتربية العسكريّة من أهمّيّة في إشاعة الوعي بأهميّة الانضباط، وإدارة الوقت، والشعور بالمسؤوليّة، والانتماء، والتركيز على القيم المجتمعية العامّة.

يقول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) "علّموا أولادكم السباحة، والرماية، وركوب الخيل"، وهي تؤكّد على البدء في تعليم النشء الجديد المهارات الضروريّة  كالسباحة التي برزت الحاجة إلى تعلّمها بعد توسّع الدولة الإسلاميّة في عصر الفتوحات، وهو هدف عسكري، شأنها شأن  الرماية، التي يعني اتقانها منذ الصغر دقّة التسديد عند المواجهات مع الأعداء، وحتّى في الصيد، أمّا الخيل ،فقد كانت وسيلة النقل ،وتعلّم ركوبها له أهداف رياضيّة، وحياتيّة، وعسكريّة، وقد يسأل سائل : لماذا لا ندع أطفالنا يعيشون طفولتهم بهدوء؟ فأجيبه: تعلّم المهارات يقي أطفالنا تقلّبات الحياة، فلا نعيم يدوم، و"الشدائد تصنع الرجال"، وعليه ينبغي ترك غضاضة العيش، فقد جاء في الأثر "اخشوشنوا، فإن النعمة لا تدوم"، و"اخشوشن الرجل"، لغويّا، تعني " لَبِسَ الخَشِن وأكَلَه أو تعوّده، وبلغ الغاية في الخشونة"، وينبغي البدء بتنفيذ هذه البرامج منذ مرحلة الطفولة، بغية غرس القيم منذ سن مبكّرة، لهذا قاد أسامة بن زيد جيوش المسلمين لمحاربة الروم ، وله من العمر عشرون سنة، ومحمّد الفاتح الذي افتتح القسطنطينية وهو ابن 24 سنة!!

إنّ أهمّ ما في الحياة العسكريّة هي الانضباط، فأوّل ما يتعلّمه الجندي حين يلتحق بمعسكرات التدريب هو "الانضباط" إلى جانب إتقان الأساليب القتاليّة، وتحمل المسؤولية، والالتزام، وتنفيذ الأوامر ومن هنا رأت العديد من الدول ضرورة التجنيد الإجباري ضمن جداول تراعي بها الأعمار والمؤهّلات ، كما هو في الصين، و(إسرائيل) التي تشمل بها الخدمة الجنسين ، وبعض الدول العربية في سوريا، ومصر، واليمن، والسودان ، وليبيا ، والعراق حتى عام 2003 م، واعتلت صيحات نوّابه تحت قُبَّة البرلمان لإعادة العمل بقانون التجنيد الإجباري بعد تراجع الروح الانضباطية لدى بعض أبناء الأجيال الشابة الجديدة.

وهناك دول لديها خدمة مدنيّة غير مسلّحة وغير قتاليّة كما هو حاصل في المكسيك ،والدنمارك ، وعدد من الدول الأخرى.

ودور فقرة التربية العسكرية يتكامل مع عمل المديرية العامة للكشافة والمرشدات التي لها أنشطة، وبرامج، ومشاركات داخل السلطنة وخارجها مستهدية بالكشّاف الأعظم جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظّم حفظه الله ورعاه.

وخلال بحثي علمت أن فقرة التربية العسكرية موجودة في بعض المدارس الخليجيّة ، كما هو حاصل في الإمارات العربية،  ومنها "مصر" التي اعتادت أن تستعين بضابط من الجيش المصري يكون هو المسؤول عن الطابور المدرسيّ،  فيباشر عمله قبل بدء الطابور، إذ يقسّم الطلاب إلى مجموعات؛ لجمع القمامة،  والبدء بالتمارين الرياضية، وعندما تحين حصّة التربية العسكرية يخلع الطلاب ملابس المدرسة، ويرتدون  ملابس الجيش، ويبدأون الحصّة بعمل تدريبات رياضيّة، انطلاقا من مقولة "العقل السليم في الجسم السليم"،  وهناك شقّان: نظري يتعلّق بدروس بالتربية الوطنيّة، ومفهوم المواطنة، وحبّ الوطن، والشعور بالانتماء إليه،  وواجبات المواطن تجاه وطنه، وحقوقه، وعملي: يتضمّن بعض التدريبات البدنيّة البسيطة  التي يتلقّاها الجندي في معسكرات التدريب .  

أعتقد إن قرار إدخال هذه البرامج ستكون له  انعكاساته الإيجابيّة  التي ستظهر على  سلوك الطلبة كونه ينطلق من أهميّة غرس قيم الانضباط في نفوس النشء الجديد، ورفع مستوى الحسّ الوطني، والانتماء، وصقل المهارات، بحيث تتساوق مع ظروف الحياة وفق رؤية تتماشى مع المتغيّرات التي تعصف بحياتنا المعاصرة، لتحصينه، ثقافيّا ، من محاولات فقدان الهويّة، والانتماء ، بعد أن مارست وسائل الاتصال الحديثة هيمنتها، على عقول "أكبادنا التي تمشي على الأرض"، فصار  واجب  الكثير من المدارس يقتصر على التعليم، وتراجع دورها في عمليّة التربية، فساعد ذلك على اهتزاز القيم، وهذا سيؤدّي إلى إنتاج  جيل غير قادر على تحمّله المسؤوليّة، وهنا تأتي أهمّيّة قرار إدراج برامج التربية العسكرية في المدارس العُمانيّة.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 6028 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.