الأحد , 28 أبريل 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: وصفة مجرّبة لمنظّّمي مهرجانات الشعر !

= 1601

razak


في الوقت الذي حاول الكثير من منظّمي الأماسي الشعريّة في الغرب ، ومهرجاناته،  التفنّن بعرض المادة الشعريّة، لجذب أوسع شريحة من الجمهور، من خلال اقامتها في أماكن مفتوحة، وإلقاء النصوص بمصاحبة الموسيقى، والاستعانة بممثلين، وغير ذلك من وسائل الإبهار،و الجذب، مازلنا نتّبع الطرق التقليديّة المعتادة في تنظيم المهرجانات، والأماسي الشعريّة لدرجة أنّ الجمهور بدأ العزوف عن حضورها، زادت من الفجوة بين الشاعر، والجمهور، بخاصّة أنّ الشعر فنّ صعب، يلفّه الغموض، يعتمد على الإشارة، والرمز، والمهارات اللغويّة، والمجازات، والصور الفنيّة، وعلى الشاعر أن  يبذل جهدا عند بثّ رسائله الجماليّة، لكي تصل المتلقّي.
 
لذا تساءل كثير من الذين حضروا أماسي "مهرجان أثير للشعر العربي"، أو الذين تابعوها، عن بعد، من خلال منصّات التواصل الاجتماعي، و"اليوتيوب"،  عن السرّ الذي جعلهم يتابعون كلّ أمسية، للختام،  على مدى حوالي ساعة ونصف، دون أدنى شعور بالملل؟

فهل يعود إلى الشعراء أنفسهم، وقدرتهم على الاستحواذ على مسامعهم؟

أم للمؤثرات السمعيّة، والبصريّة التي صاحبت المشاركين في احيائها؟

أم الجو العام لمسرح زرع في حديقة مؤسسة"عمان" للصحافة مثل شجرة عملاقة تعطي أكلها في مساءات مسقط "الديسمبرية" الخفيفة البرودة، اللطيفة النسمات ؟

وجوابي على السائلين هو: السرّ يكمن في  اجتماع كلّ تلك العناصر في مهرجان واحد، كفيل بانجاحه، وجذب الجمهور.

وإليهم ،وإلى منظّمي المهرجانات هذه الوصفة المجربة:

إنّ انتقاء الشعراء المشاركين شرط ضروري لإنجاحه ، من حيث أنّ قوّة النص هي العمود الفقري لكلّ مهرجان ينشد النجاح، وضرورة التناغم بين أصوات المشاركين الذين لا يزيد عدهم عن خمسة، في كلّ أمسية،  أضف إلى ذلك العناية بأداء الشاعر على المنصّة، كما رأينا في مهرجان"أثير" إذ صمّمت بعناية، جعلت الكلمات تتوهّج، وروح الشاعر تسطع على مساحة الشاشة الكبيرة التي تتيح للجالسين في الصفوف الخلفيّة مشاهدة الشاعر، وهو يهمس  نصوصه همسا، وسط تموّجات من الألوان، وخيوط الدخان المتصاعدة، فيتملّك الجمهور إحساس أنّه وسط حلم جميل، إلى جانب ذلك الفواصل الشعريّة التي قام بانتقائها الشاعر عبدالله العريمي، واستلّها ،بذائقته المرهفة، من عيون الشعر العربي القديم، والحديث، بما لا يتجاوز البيتين، وأدّاها بصوته في استوديو  خاص أظهر جماليّات الإلقاء، لدرجة أنّ الكثيرين ظلّوا يردّدون بعد انتهاء كلّ أمسية قول ضيف المهرجان الشاعر الكبير أدونيس:

أغرقتني وملكت الموج والغرقا
يا مالئي غبطة يا مالئي قلقا
 
أو الجواهري:
لم يبق عندي ما يبتزّه الألم
حسبي من الموحشات الهم والهرم
وحين تطغى على الحرّان جمرته
فالصمت أفضل مايطوى عليه فم

إضافة إلى ذلك، ساهمت مقاطع الفيديو القصيرة جدا التي تعقب كلّ فقرة، وكانت تعرض إضاءات مصوّرة حول الأماسي السابقة، أو أنشطة المهرجان الذي حملت دورته اسم"ابن دريد"، وفق خريطة محسوبة بدقّة من قبل مخرج متمرّس في سرقة الأبصار، والأسماع هو المخضرم سعيد موسى، أقول: ساهمت تلك المقاطع في تهيئة الحواس، لاستقبال نصوص الشاعر قبل أن يحين دوره، يسبقه تعريف مختصر بتجربة الشاعر، قدّمته الإعلاميّة ابتهال الزدجالي.

ولعلّ الخروج من القاعات المغلقة، سبب أساسي في أضفاء أجواء حالمة على الأماسي، رغم أنّ بناء أمثال هذه المسارح مكلف للمنظّمين، من هنا جاء إصرار الإعلامي موسى الفرعي ،رئيس المهرجان، على بناء مسرح مفتوح في حدائق مؤسسة"عمان" للصحافة، فمن يريد للجمهور أن يقدم على سماع الشعر ، عليه أن يعمل على جميع عناصر جذبه، لكي يتابعها باستمتاع، وهذا غاية ما تطمح إليه اللجنة المنظّمة، وهو ما جعل إحدى الحاضرات من خارج الوسط الثقافي، تطلب منّي ابلاغها عن كلّ أمسية شعريّة تقام مستقبلا، ظنّا منها أنّ  أماسي الشعر، كلّها،  تجمع الجمال كلّه في سلّة واحدة !  .
 

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 6191 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.