الأحد , 28 أبريل 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: محمود عبدالعزيز..الساحرُ الذي لم يغبْ!

= 1613

razak

 

كلّما يرحل عن عالمنا نجم من نجوم السينما، أشعر كأنّني فقدتُ صديقا عزيزا، فيعصرني الألم، وكم أتمنّى، حينها، أن يكون ذلك الرحيل ليس أكثر من نهاية شخصيّة من الشخصيّات التي يؤدّونها على الشاشة ، ثمّ يظهرون لاحقا من جديد بأفلام أخرى، وجاء رحيل النجم محمود عبدالعزيز، ليضيف شريطا أسود جديدا للشاشة الفضيّة العربيّة، والمؤلم إنّ عبدالعزيز خرج ذات يوم من الشاشة، وجاء بشحمه ، ولحمه إلى مسقط، وذلك في عام 2002 عندما جاء متأبّطا فيلمه "الساحر" ليعرضه في مهرجانها السينمائي الثاني، بصحبة مخرجه رضوان الكاشف الذي خذله قلبه بعد أسابيع قليلة من تلك الزيارة.

 وكان لقائي الأوّل به في حفل افتتاح المهرجان ، عندما سمعت صوتا مجلجلا، ولم يكن من الصعب معرفة صاحب الصوت، الذي ملأ أسماعنا في مسلسله الشهير" رأفت الهجان"، والأفلام السينمائية العديدة التي أبرزها"الكيت كات"، و"الجنتل"، و"العار"،و"السادة"، و"سمك لبن تمر هندي"، و"البحر بيضحك ليه"، و"النمس"، وعشرات الأفلام، والمسلسلات التي جعلته واحدا من نجوم السينما العربيّة الذين نوّعوا في أدوارهم، وتمرّدوا على الأدوار التي تضعهم في قالب نمطي معيّن، وحين التفتُّ، وجدتُ النجم يمازح الراحل المخرج مصطفى العقاد بصوت مرتفع، ولم يراع الضوابط التي يراعيها النجوم حينما يكونون في الأماكن العامة، بل تصرّف بكل تلقائية، وعفوية ، وخصوصا أن  المزحة من الوزن الثقيل، وكانت حول فيلم" الرسالة"، إذ قال للعقاد ،وهو يقف على مسافة بعيدة منه" ماهو خلاص من ربع قرن، ومفيش غير" الرسالة"، وخلاف توقّعاتي، لم يغضب العقاد الذي كان مشغولا بالتحضير لفيلم لم ير النور هو فيلم "صلاح الدين الأيوبي"، كما كشف في مؤتمر صحفي عقده خلال المهرجان، بل قابله بابتسامة عريضة، وكأنه اعتاد على مزاحه!!

في المرّة الثانية شاهدته يتابع معنا في قاعة سينما "الشاطىء عرض فيلم "الساحر"الذي تدور أحداثه في إحدى الناطق الشعبية، وبعد انتهاء العرض  صعد على المنصة، ووجّه تحيّة للجمهور الذي صفّق طويلا، فقد كان ساحرا، وحقّق الفيلم نجاحا لافتا، حتى إنّه فاز بالخنجر الذهبي لدورة ذلك العام، وأعيد عرضه مرة أخرى بناء على رغبة الجمهور، ومنه انطلقت نجومية "منة شلبي" بسرعة صاروخية، وكان له الفضل في دخولها عالم السينما من خلال بوابة"الساحر"، كما كشف في المؤتمر الصحفي الذي عقده ، وحضره عدد قليل من الصحفيين، والمهتمين، كونها تمتّ بصلة قرابة لزوجته، في ذلك المؤتمر أتيحت لي فرصة الجلوس قريبا منه، ومحاورته، فلمستُ بساطته، وتواضعه..

وأذكر أن أحد الصحفيّين سأله عن سر ارتدائه النظارة السوداء، في كلّ مكان، يحلّ به، فهل هذه من لوازم النجومية؟ فوضع يده على النظارة، ورفعها عن عينيه،اللتين سرعان ما بحلق بهما، وأغمضهما، وقال"هذه النظارة ليست شمسيّة، كالتي يرتديها النجوم،  بل هي نظارة طبية أرتديها، لا لأحجب الجمهور عني، بل لكي أرى وجوهكم بشكل أفضل"، ذلك الجواب كشف من خلاله عن بساطته، ومضى يتحدث بتلقائيّة، ويطلق نكات، ولكن عندما سأله أحدهم إن كان دور "الحاج متولي" الذي أداه النجم نور الشريف في المسلسل الشهير ، والمعروض في ذلك العام، قد أسند إليه ، خصوصا إنه مثّل شخصيات مشابهة في سلسلة من الأفلام السينمائية، فجأة، تغيّرمزاجه، وصمت، ثم قال بألم، وتوجّع " ماضرورة طرح هذا السؤال الذي يتضمن الإساءة لزميل أدّى الدور بشكل رائع؟"، ومضى يتحدث عن براعة نور الشريف في أدائه، وعن علاقتهما القويّة، وهذا ما أكّده لقاؤهما ، إذ حضر نور الشريف، ليكرّم في المهرجان، ولم يجب " الجنتل" عن السؤال، فكشف عن خلق رفيع، وطوال فترة المهرجان لم يتردّد في التوقيع على "اوتوغرافات"المعجبين، ولم يرفض طلبا للتصوير معه، واليوم يرحل "الساحر"، لكنّه لن يغادرنا، فسيظلّ بيننا حيّا من خلال أدائه للكثير من الشخصيّات على الشاشتين: الفضّية، والصغيرة كسائر النجوم الكبار الذين سكنوا قلوبنا، وتألّمنا لرحيلهم عن عالمنا.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 6019 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.