الجمعة , 26 أبريل 2024

فكرة مجنونة تماما لصندوق النقد الدولي!

= 805


بقلم: أوجو بانيتسا

في فيلم عقول خطرة، تلعب الممثلة ميشيل فايفر دور مجندة سابقة في سلاح مشاة البحرية الأميركية تصبح معلمة في مدرسة ثانوية داخل المدينة. وفي بيئة صعبة، حيث أصبح التحصيل الدراسي بعيدا كل البُعد عن كونه على رأس قائمة أولويات المراهقين المتمردين، تأتي الشخصية التي تلعب دورها ميشيل فايفر في الفيلم بنهج جديد غير تقليدي ــ وفعّال ــ يقضي بأن يبدأ كل طالب العام الدراسي بتقدير "ممتاز"، فإما أن يحافظ على هذا التقدير أو يخسره في النهاية. وفي وقت حيث تستسلم العديد من الأسواق الناشئة للقنوط والإحباط، مثلها في ذلك كمثل طلاب ميشيل فايفر، فربما يتعين على صندوق النقد الدولي أن يحذو حذوها.

الواقع أن الاقتصادات الناشئة تسكن عالَما محفوفا بالمخاطر ويتسم بتدفقات رأس المال المتقلبة. ولكنها بدلا من الاعتماد على صندوق النقد الدولي للوفاء بتفويضه المتمثل في حمايتها من أزمات السيولة، تتجه إلى التأمين الذاتي عن طريق تكديس مخزونات ضخمة من الاحتياطيات الدولية. والآن تُقرِض الاقتصادات الناشئة والنامية ما يقرب من 7.5 تريليون دولار أميركي للخزانة الأميركية ــ وهي الموارد التي يمكن استخدامها لتمويل مشاريع البنية الأساسية المطلوبة بشدة.
الغريب في هذا النهج هو أن سِجِل صندوق النقد الدولي في التعامل مع الأزمات المالية جيد للغاية في عموم الأمر، وإن كان بعيدا عن الكمال. ما السِر إذن وراء التردد في الاعتماد على الصندوق؟

لعل السبب الأكثر وضوحا هو التوقيت. فلأسباب تاريخية، كانت أغلب مرافق صندوق النقد الدولي أفضل تجهيزا لإدارة الأزمات مقارنة بقدرتها على منعها. فبحلول الوقت الذي تلجأ فيه الدول إلى صندوق النقد الدولي طلبا للدعم، تكون فقدت بالفعل القدرة على الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية. ولكنها برغم هذا تضطر إلى الدخول في مفاوضات مطولة تسمح بتدهور الموقف قبل أن يتحسن. وقد لا يكون استغلال احتياطيات البلد خيارا مثاليا، ولكنه سريع الأقل.
غير أن صندوق النقد الدولي يقدم خيارا سريعا. إذ يمنح مرفق خط الائتمان المرن القدرة على الوصول الفوري إلى موارد الصندوق، من دون طرح أي أسئلة. ويعادل هذا قرضا بموجب موافقة مسبقة تستطيع الدول المؤهلة الحصول عليه وقتما تشاء، على أساس متانة أسسها وسجلها في التعامل مع السياسات. وهي بالتالي الأداة المثالية لمنع أزمات السيولة الذاتية التحقق.

ومع هذا لا يبدو أن أعضاء صندوق النقد الدولي مهتمون بخط الائتمان المرن. فبعد سبع سنوات من إنشاء هذا المرفق، تملك ثلاث دول فقط (كولومبيا، والمكسيك، وبولندا) القدرة على الوصول إليه. وفي حين لا تستطيع كل الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي (189 دولة) التأهل للحصول على خدمات المرفق، فإن عدد الدول المؤهلة أكبر كثيرا من ثلاث. ولا يشترك في خط التحوط والسيولة، الأشبه بمرفق خط الائتمان المرن والذي يضع شروطا أكثر تساهلا للتأهل، سوى دولتين.
والمشكلة في وصمة العار. إذ تخشى الدول أنها بالتقدم بطلب الحصول على موافقة مسبقة ــ وهي العملية التي لا تثق الدول في بقائها سرية، كما وُعِدت ــ تشير إلى مشاكل اقتصادية محتملة. والأسوأ من هذا أن طلبها قد يُرفَض، سواء عندما تتقدم بالطلب لأول مرة أو عندما يأتي موعد مراجعة الموافقة (كل عام إلى عامين)؛ وهذا من شأنه أن يُفضي بكل تأكيد إلى تقويض الثقة في اقتصاداتها، إذا ذاع السِر.

وهنا تتجلى أهمية استراتيجية فايفر. فبدلا من إرغام الدول على العمل للحصول على الموافقة، من الممكن أن ينشئ صندوق النقد الدولي مرفقا جديدا على غرار خط الائتمان المرن، وتحصل كل الدول الأعضاء على الموافقة المسبقة لاستخدامه، باستثناء الدول التي لا تفي بمعايير معينة في ما يتصل بالسياسات والأسس. ومن الممكن تحديد الاستثناءات كجزء مما يسمى مشاورات المادة الرابعة لصندوق النقد الدولي مع الأعضاء ــ وهذا النهج من شأنه أن يعزز من قدرة صندوق النقد الدولي على الإشراف على الدول. أما عن البقية، فإن الموافقة المسبقة من شأنها أن تقلل بشكل كبير من إغراء التأمين الذاتي من خلال تكديس الاحتياطيات.

وكما هي الحال مع أي محاولة لتغيير الوضع الراهن، سوف يعمل هذا النهج على رفع مستوى التحديات. فبادئ ذي بدء، قد يواجه ضغوطا سياسية من دول لم تتأهل، وخاصة إذا كانت هذه الدول بين أعضاء صندوق النقد الدولي الأكثر نفوذا. ولكن كما اقترح تيتو كورديا وإدواردو ليفي يياتي في عام 2006، فإن هذا الخطر يمكن تخفيفه بالاستعانة بمعيار محدد وشفاف ويمكن قياسه. والعيب الذي يشوب هذا النهج هو أنه يمنع التحليل الأكثر دقة لكل دولة على حِدة والذي يشمل تقييمات نوعية.

وعلاوة على ذلك، إذا نُشِرَت التقييمات علنا، فقد تؤدي التقييمات السلبية إلى التعجيل باندلاع الأزمات. ومن الممكن أن يساعد ضمان وضوح وتحديد معايير الأهلية في منع مثل هذه النتيجة. ويتلخص نهج أكثر مباشرة في منع الأزمات في الاقتصادات الأكثر ضعفا في إنشاء مقياس مستمر للأهلية، أقرب إلى معيار تقييم سيادي (والذي لا يخلف تأثيرا ضخما على المشاكل التي تواجهها الدول)، مع حصول الدول التي تمر بمراحل مختلفة على هذا المقياس على القدرة على الوصول إلى أنماط مختلفة من المرافق الوقائية.

ويكمن الخطر الأخير في احتمال عجز الصندوق عن تجميع الموارد الكافية لتلبية التزاماته في أوقات الأزمات. ومن الممكن حل هذه المشكلة من خلال تعزيز قدرة الصندوق على الاقتراض، في حين يعمل على تقليل المقدار اللازم من الموارد التي قد يحتاج إليها صندوق النقد الدولي لتخصيص ميزانية لمرافق أقرب إلى خط الائتمان المرن. ففي نهاية المطاف، يُعَد خط الائتمان التحوطي الناجح خطا لا يُستَخدَم أبدا (أو يُستَخدَم في حالات نادرة للغاية).

تتطلب العولمة المالية وجود شبكة أمان مالية عالمية أكثر قوة. كان أهل الاقتصاد وصناع السياسات يعبثون بالبنية المالية الدولية منذ منتصف التسعينيات، من دون تحقيق نجاح يُذكَر. وفي حين قد تبدو فكرة إعادة تعريف الوضع الراهن مجنونة، فإنها قد تكون مجنونة بالقدر الكافي لكي تكون صحيحة، على سبيل الاقتباس من الفيزيائي نايلز بور.

—————

* أستاذ الاقتصاد في معهد الدراسات العليا في جنيف.

شاهد أيضاً

موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك باليوم والتاريخ

عدد المشاهدات = 4738  تشير الحسابات الفلكية التى أعدها معمل أبحاث الشمس بالمعهد القومى للبحوث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.