الثلاثاء , 30 أبريل 2024

«خواطر» الموسم الأخير: بريق نجاح جديد

= 1429

Abdul razak Rubaiy


عبدالرزّاق الربيعي


على قلّة الوقت المتاح للشاشة الرمضانية، خلال الشهر الفضيل، أحرص سنويّا على متابعة برنامج «خواطر» لمعدّه ومقدّمه أحمد الشقيري، ومنذ دورته الأولى أحسست أن هذا البرنامج يقدّم فائدة جمّة للمشاهد ليس من خلال الطروحات النظريّة كما اعتدنا في البرامج الأخرى، بل من خلال البحث العملي، والتطبيقي المتمثّل بنزول فريق العمل إلى الميدان، وتنقّله بين البلدان، وعمل مشاريع على أرض الواقع في أماكن عديدة من عالمنا العربي، وربط كلّ ذلك بتعاليم ديننا الحنيف، وتراثنا الإسلامي، والانفتاح على الحاضر، وما يحصل في العالم من تطوّرات، ومتغيّرات، ونقل تجارب دوليّة ناجحة، في التربية، والتعليم، والصحة، والإدارة، الاقتصاد، والتنمية، والبناء، والتعاون، والتكافل المجتمعي، ومقارنها بما يحصل في أماكن أخرى، من بلداننا العربية، مع ترك حرية الاستنتاج للمشاهد، داعيا إيّاه إلى تحسين أدائه، في العمل، والحياة، بدون تصديع رأسه بمقولات وعظيّة اعتدنا على سماعها، في برامج دينيّة، وتثقيفيّة تقليديّة، ولم يعمد إلى جلد الذات، والنظر بعين الانبهار للغرب والتجارب الآسيوية الناجحة كاليابان، والصين، وماليزيا، بل قدّم تجارب عربيّة ناجحة أيضا، ليؤكّد لنا إنّنا قادرون على تركيب خلطة النجاح، من خلال العمل، والإتقان، والتطبيق الصحيح لتعاليم الإسلام، وإشغال الذهن، فنجح في استقطاب جمهورا واسعا، وكان وقت بثّ البرنامج يتزامن مع موعد الإفطار في مسقط، لذا جعلني أنقسم، وقت عرضه إلى قسمين، فأضع عينا على الشاشة، وأخرى على طاولة الإفطار، وكم من دعوة اعتذرت عن تلبيّتها لكي لا تفوتني حلقة منه!.

مناسبة مقالي هذا ليس الاحتفاء بالدورة الجديدة من البرنامج التي تحمل الرقم11، بل إعلان الشقيري في الحلقة الأولى منه إنّ الدورة الحاليّة ستكون الأخيرة من عمر البرنامج، ليس لمشاكل يعاني منها، كما قال، بل لأنّه قرّر أن يوقف برنامجه، وهو في قمّة النجاح، وهذا درس آخر يعطيه لنا الشقيري، فكم من برنامج انطلق بسرعة صاروخيّة في آفاق النجاح، وكسب ثقة الجمهور، ثم بدأ يفقد وهجه، وبريقه شيئا، فشيئا، حتى صار عالة على القناة التي أمست تعرضه بحكم العادة!

فالناجح لا يمكن أن يظلّ على الدوام ناجحا، لابدّ أن يصل إلى مرحلة، يبدأ بعدها بالضعف، وهذا قانون طبيعي، والذي يزور أطلال بابل التاريخيّة سيفاجأ، فكل الذي قرأه في كتب التاريخ لم يجد منه غير تراب، وبقايا حيطان مهدّمة، وكما يقول الفيلسوف الألماني جورج هيجل «كل فكرة تحمل في أحشائها بذور فنائها»، لقد عرف الشقيري إن من غير الممكن أن يظل قابضا على صولجان النجاح، رغم إنه قادر على ذلك لدورتين أخريين، أو ثلاثة على الأقل، لكنّه فضّل أن ينسحب من الميدان، وهو في أوج عطائه، دون التفريط بمشاهد واحد، لكي يبقى متربّعا على منصّة إعجاب من تابعوه طيلة السنوات الماضية.

وبالدرجة التي أحزنني الإعلان عن توقّف البرنامج، فرحت لجرأة الشقيري، وشجاعته في اتّخاذ القرار، ونحن على يقين من إنّه سيخرج لنا بفكرة ناجحة جديدة، كما فعل مواطنه الفنّان ناصر القصبي عندما أوقف مسلسله «طاش ما طاش» بعد أن دبّ في أوصاله الوهن في دوراته الأخيرة، فصار القصبي يظهر لنا، بين حين، وآخر ببرنامج، ومسلسل جديد ، ولعلّ أحدثها مسلسه «سيلفي» الذي بدأ بداية مثيرة للجدل، وكما فعل الإعلامي جورج قرداحي، فبعد نجاحه بـ«من يربح المليون»، ظهر ببرامج أخرى ناجحة، وكما يفعل بعض الرياضيين حين يعلنون اعتزالهم، وهم في قمّة نجوميتهم تاركين الجمهور في حالة من الذهول، لكنّهم سرعان ما يحوّلون طاقتهم إلى مجال آخر مجاور للعبة التي عرفوا بها، كالتدريب، والإدارة.

فالنجاح ليس بالاستمرار بعمل ما، بل بتحديثه، ومدّه بالأفكار، وإن استنفذت، فعلى الناجح اتخاذ قرار شجاع بالتوقّف، والتحضير لبداية جديدة.

كم أتمنّى من كلّ صاحب مشروع ناجح، أن لا يستغل محبّة، وإعجاب الجمهور لمشروعه، فيواصل مشروعه من باب العزّة بالنجاح، حتى يبلغ الدرجة السفلى من الفشل، ويصبح مشروعه عبئا على الجهة التي تتبنّاه !

فلنجعل الشقيري قدوة عندما ترجّل عن صهوة جواد «خواطره»، وهو في قمّة عطائه فاتحا الأفق لبريق نجاح جديد.

—————————
Razaq2005@hotmail.com

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 8371 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.