الأربعاء , 1 مايو 2024

هدى توفيق تكتب: مصر هى أمى “قصة قصيرة”

= 1782

huda-hasan


أتذكر حينذاك الوقت الذي خطيت بها تلك الكلمات الثلاثة فى الصف الخامس الإبتدائى ، حيث كنت قبل أن أشرع فى كتابة واجباتى المدرسية ، أشترى أكثر من قلم كل الألوان ، وأقوم بتجريب مدى دقة ورونق الأحبار على السطور قبل أن أستخدمهم لتحسين خطى السيئ ، وتزويق الصفحات ، وتنميقها حتى أحصل على الدرجات النهائية التى تعوقها وصولى إليها سوء خطى ومع العناد والتكرار حصلت على النجمة الخماسية وVery Good، فتفاءلت بتلك العبارة ، ولازمتنى حتى الآن إيحاءً بالجد والنجاح ، رغم أنى كبرت وحصلت على شهادة الجامعة ، وتزوجت وأنجبت , وعملت فى إحدى الوظائف الإدارية فى الشئون القانونية بالنيابة الإدارية فى مدينة 6 أكتوبر محافظة الجيزة..

وإن كان استخدامى الآن يعتمد غالبًا على الأقلام  الأزرق الجافة ، لكنى مازلت أجرب خطه قبل الكتابة , وأخط نفس العبارة الغريبة لى الآن ، وأمارس تجربتى الطويلة الأمد خفية عن أنظار زملائى فى العمل , وكأنها باتت سري الصغير  ، حتى فى يوم لاحظت زميلتى فعلتى الغامضة بالنسبة إليها ، وأثارت حفيظتها , وسكتت لبرهة من الوقت حتى تستوعب ما أفعله وقالت باستفسار : 

– يعنى ايه الجملة دى … وضحكت سخرية 

بهت وصمت و لم أرد وسألت نفسى ، لم أسأل نفسى هذا السؤال من قبل وتغاضت هى عن انتظار إجابة منى ، بل وتجاهلت شأنى اعتقادًا منها لتفاهته ، وعدت إلى نفسى أسألها مرة أخرى بحسرة الفاقد لشيء، دون أن يواجه نفسه بذلك إطلاقًا ، فعلاً ما معنى أن مصرهى أمى وهل أنا وكل الآخرين والأخريات يشعرون بذلك ؟، وهل من الممكن ان يشعروا بذلك بينما أنا لا؟ – هل أحسست  بمدى أهمية  تلك الجملة حتى من قبل فى حياتى الماضية والحاضرة , وهل من الممكن أن أشعر بها فى المستقبل ؟ 

وإن كنت لا أشعر بها لما أكتبها دون إرادة منى منذ كنت طفلة هل هى مجرد عبارة خطها قلمى دون وعى ، دون إدراك ، دون فهم لطيلة ثلاثين عامًا مصر هى أمى دون أن أسبرغور ذاك فى حياتى عن كيف هى أمى ؟ وماذا فعلت أمى لى ؟ وأين رحلت أمى الآن ؟ شعرت بالضياع التام وسط توهة الأسئلة التى داهمتنى كريح عاصفة أطاحت بثلاثين عامًا من عمرى من ذاك الوقت , الذى خطيت فيه مصر هى أمى.

 وعادت رندا زميلتى إلى التهكم الصريح بضحكة مجلجلة أحرجتنى قالت : 
 
– مالك ياحلوة … بقى مصر هى أمك … من ورانا وطرقت بشدة على ظهرى كمَنْ ينقذ أحدًا جاءته زغطة أثناء تناول  الطعام  فجأة، وقالت وهى لاتزال تضحك : 

– أمك فى البيت ياروح أمك … وأقولك كمان … مصر مش أمى … إيه رأيك بقى فما كان منى حتى أريق ماء وجهى الذى أصفر، بعد أن شاركها الأخريات في الحجرة الضحك سخرية .

وقلت بفجاجة واستياء :
ـ يارب يا رندا تحجى بيت ربنا علشان تهدى شويه ، وترحمينا من سخافتك دى ربنا يهديكى .

شاهد أيضاً

“إجمع ما بقى من بقاياك”…بقلم نبيلة حسن عبد المقصود

عدد المشاهدات = 3301 حين يذهب الشغف في طيّات الفتور. ويستوي الأمران.من قربٍ وبعدٍ… حبٍ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.