وقفت أمام المرآة تحدق في وجهها الشاحب ذي الخطوط الرفيعة لا تدري تحديدا متى ظهرت تلك التجاعيد على جبينها… تأملت شعرها المجهد وتلك الشعرات البيضاء التي أعلنت ظهورها فجأة بكل جرأة ودون استئذان رغم أنها لم تتجاوز الخامسة والثلاثين من عمرها.
نظرت إلى جسدها المنهك الذي فقد حيرته منذ زمن رغم احتفاظه بمظاهر أنوثة تطل على استحياء.
أفاقت من شرودها على صوت أنفاس زوجها الذي يغط في سبات عميق غافلا عما يدور حوله.
توجهت نحوه بهدوء فتحت درج صغير بجوار السرير، تناولت قلما ودفترا صغيرا نزعت منه ورقة كما نزعت ضحكتها واستبدلت هما… وكتبت بخط واثق:
“قد رحلت إلى الأبد لا تشق نفسك بالبحث عني”
وضعت الرسالة إلى جواره وتسللت خارجة من الغرفة.
بعد وقت ليس بطويل أفاق الزوج من غفلته تثاءب ومسح وجهه بكفيه واستدار إلى الفراغ بجواره فقد اعتاد أن يوليها ظهره في نومه، بل وفي يقظته أيضا… تأمل مكانها الخالي مستغربا فليس من عادتها أن تصحو مبكرة في يوم العطلة… لمح الرسالة فتناولها دون اكتراث…
قفز من السرير فزع غير مصدق ما قرأه للتو ارتدى ثيابه مسرعا وخرج من الغرفة متعجلا ولكن دون وجهة،
توقف فجأة حين رآها جالسة على الأريكة تحتسي قهوتها في هدوء، تتأمل السماء من النافذة غير عابئة به.
… “أتمزحين؟!” خاطبها صارخا
ارتسمت على شفتيها ابتسامة غامضة وأجابت في نفسها “بل أنا جادة لأبعد حد… لقد رحلت منذ زمن لكني لم أعلن ذلك سوى اليوم فقط… ربما بقي جسدي هنا لكن روحي لم تعد… قد كنت لي وطنا فحملتني على الهجرة”.
(تمت)