في اللامبالاة فلسفة ، إنها صفة من صفات الأمل ، هذة المقولة للشاعر الفلسطيني محمود درويش ألحت علي خاطري بشدة وأنا أتابع ردود الأفعال الساخرة خلال حادث إختطاف الطائرة المصرية منذ أيام ، والتي أثارت إنتقادات بعض المعلقين علي الحدث ، وإتهام الساخرين بعدم الإدراك وانعدام الشعور بخطورة المسألة ، خاصة أن السخرية اللاذعة انتشرت علي مواقع التواصل في وسط الأحداث وقبل إنتهاء الأزمة ، وقبل الإطمئنان علي سلامة الركاب وطاقم الطائرة ، وبصورة سريعة جدا تدعو للعجب ، وتوحي بحالة من اللامبالاة لدي بعض المصريين ، فهل هم فعلا لا يبالون ؟
يصف الطب النفسي اللامبالاة بأنها جزء من النظام الدفاعي عن الذات ، وتقترن مع الهروب من الواقع إذا كان هذا الواقع مليء بالمشاكل التي تفوق القدرة علي التحمل ، أو يكون تقدير الذات منخفضا فيشعر الفرد انه لاقيمة له في المشاركة ، أويكون محاطا بأحداث متعبة أومجهدة ، وفي كثير من الأحيان تظهر اللامبالاة بعد أن يشهد الفرد ضغوطا أو صدمات نفسية مروعة، خاصة خلال الحروب والتغيرات الحادة المصحوبة بالعنف ، لذلك أصبح مفهوم اللامبالاة أكثر شهرة بعد الحرب العالمية الأولي نتيجة مشاهد الدماء والعنف والتدمير ، وعاني من شاهدوا الحرب من شعور اللامبالاة وفقدان الحس بالتفاعل الاجتماعي .
أعتقد أن هذا ما حدث أيضا للمصريين عقب هزيمة عام 1967 وشعورهم بالصدمة المروعة ، وماحدث بعد فترة من ثورة 25 يناير وما أعقبها من تقلبات حادة وأحداث عنيفة ، وأيضا ما يحدث الآن من ضغط مستمر مع سقوط شهداء ونشر صور موجعة لهم ، وأيضا نشر مشاهد جثث الإرهابيين ، مع الإلحاح المستمر من بعض وسائل الإعلام وبعض الكتاب والمعلقين لوصف المشهد بأنه " حالة حرب" لنيل اهتمام الناس وتأييدهم ضد التجاوز في مسائل أخري ، وكل هذا يؤدي الي الرغبة في الهروب من الحالة الراهنة ، ويزيد من ظهور أعراض نفسية واجتماعية ، تحتاج لفهمها والبحث عن علاجها ، وليس الهجوم عليها وتحقيرها ، أو إعلان اليأس من إمكانية الإصلاح وممارسة القسوة والحدة ووصف الشعب المصري بكل الصفات السلبية وهونوع من تحقير الذات وجلدها يضر أكثر مما يفيد ويؤخر التعافي ، الممكن حدوثه .
المصري يهرب للسخرية ليلخص رفضه لأمر ما ، أو للتعبير عن رغبته في الهروب من أزمة اقتصادية أوفقر أوبطالة أوإختراق للقانون أوتعسف سلطة أوتقييد حرية ، وكلما زاد جلد الذات والتحقير والهجوم علي المصريين بمناسبة وبدون مناسبة كلما غضبوا وهربوا الي السخرية واللامبالاة ، وهم غاضبون من الإعلام سواء كان مؤيدا أومعارضا ، وغاضبون من وجود فساد مادي وأخلاقي وفساد قيم يواجهونه كل يوم ، وغاضبون من ضعف الخدمات خارج حدود العاصمة ، وإنخفاض قيمة الجنيه وغلاء الأسعار ، وضعف الصحة ، وغاضبون من تضارب مايصل اليهم حول سد النهضة وأزمة مياه النيل.
كل هذا الغضب يجد متنفسا في السخرية ، ولكن علاجه بجدية يكمن في أدراك الجميع أنه يجب العمل بجدية على "صناعة أمل" مستمر يفتح الطريق أمام التخلص من الإحباط واللامبالاة، قد يكون في الإستفادة من مؤسسات المجتمع المدني – بدلا من الهجوم عليها وشن الحملات ضدها – في دعم الأفكار الايجابية وتبنيها ومساعدة أصحابها علي النجاح وتحقيق الذات، وفي تحقيق العدل وتخليص السجون من أبرياء لم يسببوا ضررا ولا أذي ، وفي تقدير الكفاءة قبل المحسوبية ، وقبول الأفكار الجديدة التي يمكنها تحقيق إصلاح في أي مكان ، بدلا من الخوف منها ومحاربتها.
صناعة الأمل قد تكون الأهم الآن.
———————
hebaomar55@gmail.com