الأحد , 28 أبريل 2024

هبة عمر تكتب:العدس وحكايته!

= 1492

Heba Omar

 

يحكي أن بقالا كان يبيع في دكانه العدس، هاجمه يوما لص وسرق نقوده وجري فأسرع البقال بالجري خلفه ولكن اللص تعثر في شوال العدس الذي تبعثر كل ما فيه، و حين رأي الناس المشهد ظنوا أن اللص سرق بعض العدس وأن التاجر يجري خلفه لذلك ، فعاتبوا البقال بقولهم: كل هذا الجري من اجل شوال عدس، وكان رد البقال الذي صار مثلا «اللي ميعرفش يقول عدس».

قصة هذا المثل الشعبي هي بعض من واقعنا اليوم في الحكم علي موقف أو اتخاذ رد فعل دون معرفة الحقيقة كاملة، بغض النظر عن طرافة المفارقة في الحكاية التي تعتبر أن العدس شيئ تافه لا يستحق عناء الجري من أجله، بينما أصبح سعره يعادل ثلاثين جنيها مصريا الآن، بسبب استيراده بالدولار، ولو كان البقال في الحكاية أكثر حكمة لقال للناس الحقيقة ليدافع عن نفسه ويوضح موقفه أمام من يلومونه، ولكن السرد في الحكي الشعبي لا يكون دائما في جانب المنطق إنما هو يستخلص حكمة من الحكاية لتصل رسالته للناس، والغريب أن هذه الحكمة تظل سارية علي اللسان وصالحه لكل زمان.

في كل قضية آثارت الرأي العام أو أزمة شغلت الناس التبست الحقائق بفعل غبار الشائعات والبيانات المتناقضة والتصريحات الملتوية والقصص الملفقة وأحاديث المؤامرات، حتي بات صعبا أن تصل الحقيقة كاملة لمن يريد أن يعرفها، من أزمة مياه النيل وسدود أثيوبيا، إلي مقتل الباحث الإيطالي ريجيني وسقوط الطائرة الروسية، مرورا بأزمة الدولار وقرض الصندوق الدولي وماتلاه من توحش الأسعار، حتي أزمة تيران وصنافير وموقف توريد النفط السعودي لمصر، والحديث عن تغير مقبل في أسعار البنزين، والتباطؤ الواضح في إقرار التشريعات التي تنظم الصحافة والإعلام، وكلها مسائل تحتاج الي التخلي عن المبدأ الغالب لدي متخذي القرار وهو ذكر نصف الحقيقة فقط حتي ينسي الناس وما أسرع ماينسون.

وبالمناسبة وظيفة الصحافة الحقيقية الأساسية هي البحث والاستقصاء للوصول إلي الحقيقة وتعريف الناس بها دون مواربة ،بغض النظر عن موقفها من السلطة والقائمين عليها، والتعبير عن المجتمع بكل طوائفه دون انحياز إلا للحقيقة، هي مهنة حقيقية ورسالة وليست تجارة ولا شعارات تتغير تبعا للأهواء، ولا يفترض أن تكون موجهة لأي غرض، ولا يصح أن يحشد المجتمع لكراهيتها أو العداء معها، كما يحدث الآن ،لأنها وسيلة الاتصال الأولي بين الناس والحقيقة، وحين يعرف الناس الحقيقة لن ينطبق عليهم مثل العدس ولا حكايته.

————

hebaomar55@gmail.com

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 6783 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.