السبت , 4 مايو 2024

نهى هنو تكتب: ما فعلته السوشيال ميديا بعقولنا

= 5169

هى تلك السم اللذيذ الذى نعلم جيدًا أنه يضرنا ومع ذلك لا نستطيع الإبتعاد عنها ، اللعنة التى نعيش فيها بشكل يومى والتى تجعل الجميع فى حالة مقارنة وعدم رضا والشعور الدائم اننا يفوتنا شئ ما واننا غير كاملين ولا كافيين وهى واحدة من تلك السموم التى تتغلغل إلى نفوسنا كل يوم وتزيد من شعورنا العميق بالوحدة و الإنعزال حتى وإن كنا نجلس وسط عشرات من البشر ، حالة دائمة من الترقب و الإنتظار لشئ لا تعلمه ، يخشى ان يحدث وان يفوتك ولاتراه ، مما يزيد من الشعور العميق ايضا بالقلق والاكتئاب وهو ما أكدته الابحاث العلمية كلما زادت مدة تعرضك لها.

سلبت عقولنا وعملت على تشتت قلوبنا طوال الوقت ،أصبح كل شئ باهت وسريع وقصير ، لا نستطيع إنكار إيجابيتها فى كثير من الأمور لكنها اصابت المشاعر الانسانية بالبلادة واللامبالاة ، واحدة من اكبر اضرارها زيادة وتكرار تأثير اى مشاعر خاصة إن كانت سلبية ، فراقب جيدا الشعور الجمعى عند الحديث عن شئ او حدث ضخم ، بكل اسف اصبحت تربة خصبة لنشر مواد غير مهمة ونمو الافكار السامة فى احيان كثيرة والاشاعات والخوض فى الاعراض والخصوصيات.

فى احيان كثيرة يسئ الناس استخدامها فيعرضون انفسهم للهلاك بدلاً من الانتفاع بها ، لم تعد للبيوت حُرمة كمن قبل أو خصوصية ، اصبح البعض يتاجر بحياته الشخصية مقابل عدد من الاموال او نشر مواد تضر بسمعة البعض من أجل الحصول على مشاهدات بالملايين دون وجود اى إعتبارات أخلاقية أو دينية أو إجتماعية.

تعتمد السوشيال ميديا فى أساسها على قوة التأثير وتحريك الرأى الجمعى ولكن إن تم إستخدامها بصورة أفضل لحققت منافع خيالية فلا نجد وقت للنقاشات العبثية و مضيعة الوقت وزيادة معدلات الفراغ الفكرى والشعورى فهى علاوة على ذلك مادة للسخرية والتنمر.

الجميع يتسابق فى عرض كل ما لديه بشكل يحمل قدراً من الهوس منذ ان تستيقظ صباحًا حتى تغفو عينيه ليلا ، ومشاركة أدق التفاصيل والخصوصيات التى لا تهم احدا على الإطلاق، شئ من المبالغة أصابت نفوسنا أصبحنا نحب عرض ما نأكل وما نرتدى ومن اين تسوقنا و كم من الأموال دفعنا ، شئ من المبالغة والإستعراض أصابت نفوسنا جميعا ، وصل الأمر لأحدهم إن كان يقوم بأداء مناسك دينية تتطلب قدرا من الخشوع والعزلة الا ونجد ايضا من يقوم بتصويرها ونشرها على الرغم انها علاقة خاصة جدا بين العبد وربه لا ينبغى لأحد ان يطلع عليها.

انها جعلت الجميع يتسابق لنشر اللحظة أكثر من الإنشغال بأن يعيش اللحظة نفسها والإستمتاع بها فجذب الانتباه هو كل ما يهمنا و ليس
المتعة الحقيقية ، لم تعد حتى للعلاقات خصوصية فالكثير يبالغ فى إظهار مشاعره حتى و ان كانت أحيانا غير حقيقية ، و ما ان تنقلب الأمور إلا ونرى الفضائح و الإتهامات المتبادلة تستمر لأيام متتالية ايضا دون جدوى ، خاصة المشاهير و هذا واحد من سوء حظهم لأنهم ينالون القدر الأكبر من التنمر لما تفرضه عليهم حياة الشهرة ، الجميع أصبح قاضى و جلاد وحاكم أخلاقى أصبحت حتى المناقشات غاية فى الحدة مُفتقدة لإحترام الخلافات بين الناس الجميع يتراشق يتحدث ولا يستمع يريد فقط إلقاء الإتهامات دون دليل.

بكل اّسف أخرجت أسوء ما فينا و كشفت عن وجهنا الحقيقي والقبيح نحن نحتاج إلى مراجعة أنفسنا اولاً وعدم الانسياق وراء كل ما يحدث ، علينا تحرى ضمائرنا قبل نشر اى شئ قد يصل بإنسان ان ينهى حياته من شدة الأذى الذى يتعرض له بدلا من ان تكون أداة للنفع تصبح أداة للتدمير كما يحدث الاّن.

———————————————-
* مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع.

شاهد أيضاً

“إجمع ما بقى من بقاياك”…بقلم نبيلة حسن عبد المقصود

عدد المشاهدات = 5594 حين يذهب الشغف في طيّات الفتور. ويستوي الأمران.من قربٍ وبعدٍ… حبٍ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.