السبت , 4 مايو 2024

مرفت العريمي تكتب: مصباح علاء الدِّين على شواطئنا

= 1332

Mervat Oraimy 2


تعثرت بشيء وأنا أسير على شاطيء البحر؛ فنظرت إلى الوراء باحثة عن الذي سبب لي العثرة المؤلمة؛ فرأيت وميضا يخرج من بين حبّات الرمل؛ كان النور وهاجا ومتقطعا؛ انتابني الفضول والخوف في آن واحد فما الذي يبرق في عتمة الليل، اقتربت أكثر فرأيت مصباحا  يشبه مصباح علاء الدين في القصة التراثيّة الشهيرة مزخرفًا بقطع من الأحجار البراقة؛  تفاصيل قصة مصباح علاء الدين عبرت في خيالي تلقائيا.. حملت المصباح وقمت بإزالة الرمل  فبدا لي المصباح عتيقا وتراثيا غريب الشكل رغم ما شابه من صدأ، ولكثرة ما نمت عليه بعض من الكائنات البحرية والطحالب حالته كانت مزرية جدا .. تحرك المصباح من بين يدي  وسقط على الأرض.. وفي أول وهلة اعتقدت أنه سقط بفعل جاذبية نيوتن  لكن ما رأيته لاحقا كان مختلفا فقد خرج من المصباح كائن صغير ضعيف البنية هزيل غاضب صارخ: من أقلق نومي؟! أأنت مجددا يا علاء؟ ألم تكتف بالأمنيات الثلاث؟

 بعد لحظات استجمعت قواي وقلت له بحزم" (لا)  فأنت من أقلق صفو يومي عندما تعثرت بك وجرحت قدمي، فنظر إلي مليا، ثم قال أنت وبني جلدتك السبب في خروجي من البحر لقد لوثتم الطبيعة بجشعكم وأنانيتكم فلم تكتفوا بتحقيق الأمنيات الثلاث كما تمنى من قبلكم علاء الدين؛ بل إنّ أحلامكم فاقت عنان السماء فتسببتم بالحروب والتلوث وانتشار الأمراض في الوقت الذي تتشدقون فيه بشعارات التنمية المستدامة وبناء المستقبل.. الحياة تموت من حولكم  وسوف تجنون جريرة صنيعتكم هذه.

كان حديثا  مطولا و له شجون مع  ذلك المارد الصغير حتى قاربت الشمس على الأفول.. نظرت إلى يدي مجددا فلم أجد سوى  إبريق شاي قديم  ألقاه أصحابه بالبحر واختاروا له أن يقضي بقية أيامه على الشاطيء مع بقية النفايات التي تتخذ من  الشواطىء مستقرا لها، وكم وددتُ لو أنني وجدت المصباح علّه يكون حلا لبعض من المعضلات المتأزمة التي لم تتجاوز مرحلة التشخيص إلى حلول ملموسة على الأرض لقد أصبح مصباح علاء الدين  غاية كبرى  لحل مشكلة أخلاقية متراكمة عبر سنوات حتى بدت المدن اليوم أشبه بمكب مخلفات كبير في لوحه فانتازية حيث المباني  الشاهقة والديكورات الثمينة والسيارات الفارهة  بينما على أطراف المشهد قمامة  من هنا وهناك  وعلى مرأى من الجميع  والمبكي في الأمر أن هناك من يبادر ويتطوع في التنظيف من خلال حملات تطوعية وهم قِلَّة  بينما كثيرون يتطوعون في التلويث بلا وازع أو رادع  من ضمير.

وإذا كانت مسألة رفع المخلفات والقمامة موكولة أمرها لجهة سواء اكانت خاصة أو عامة فإن هذا لا يعفي  الأفراد كمواطنين، أو مقيمين من الوفاء بمسؤلياتهم الأخلاقية  فالنظافة يجب أن تكون جزءًا من الوجدان العام .

 وأتساءل كيف يمكن أن نتباهى  بالتحضر والحضارة  وقد أضحى من ضمن مظاهر الاحتفال بالإجازة الأسبوعية عادة تلويث الشواطيء والأودية والينابيع  وغيرها من الأماكن؟  كيف نتحدث عن التربية  والتعليم ومع انتهاء الاختبارات  نجد ساحات المدارس يكسوها غطاء أبيض من أوراق الاختبارات والكتب  الدراسية؟
القمامة يا أفاضل ليست فقط مشكلة جمالية؛ بل أزمة بيئية  تستغرق مئات السنين تروح ضحياتها المئات من الكائنات الحية  ناهيك عن مشلكة النفايات الصناعية والتجارية ومخلفات البناء التي تلقى في الأودية والمناطق النائية  في تجاوز صارخ للأنظمة والقوانين!!

هناك حقائق مؤلمة حول وضع البيئة في العالم النامي الذي يستقبل أيضا نفايات الدول الكبرى  وعشرات الآلاف من الكائنات البحرية تموت كل يوم بسبب ابتلاعها  مخلفات البلاستيك اعتقادا منها أنها قناديل بحرية  فمليارات الكيلوجرامات من المخلفات البلاستيكية والنفطية   تلقى في مياه البحار والمحيطات كل يوم .

والوزاع الاخلاقي والقوانين  الرادعة  غائبة، أو مغيبة  هذا المشهد يعكس التناقض في المفاهيم  والرؤى  بين الوعي واللاوعي ويؤكد على استمرار حالة لتناقض الفكري  بين التحضر كنمط حياة وسلوك وبين التنظير كمبدأ للحياة  فالكل يتفق بأن التلوث سبب رئيس في خلل المنظومة الطبيعية!  لكن ماذا بعد  ومتى نوقف العبث بالحياة.

 قد تطلق العنان لخيالك  فما رأيته كان  عبارة عن تساؤولات، تلمع في صورة عقلي الباطن وتستدعي أسطورة مصباح علاء الدين، تساؤولات تبحث عن من يردم الفجوة بين  الواقع  وما يجب أن يكون فقضية التنمية المستدامة  كاستراتيجية أممية ليست مجرد كلمات ونظريات مكتوبة؛ بل مستقبلا تنتظره الأجيال القادمة أجيال وراء أجيال قد تحصد  صفرا في الموارد و البيئة الحية على غرار الأفلام الهوليودية التي صورت لنا المستقبل عبارة عن أرض جرادء تحتضر.

————

* كاتبة عمانية ورئيس مركز الدراسات بمسقط

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 11394 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.