الأحد , 28 أبريل 2024

مرفت العريمي تكتب: ممكن سيلفي..!

= 1987

Mervat Oraimy 2

 

فتح كاميرا هاتفه النقّال  والتقط سيلفي  آخر،  وطوال شهر كامل دأب على تصوير نفسه ويومياته منذ لحظة الاستيقاظ إلى وقت دخوله مرهقا الفراش مع مطلع الفجر  مما أثار حفيظة الكثيرين ممن حوله  فالأمر بدا مزعجا.. وهذا الانزعاج لم يثنيه عن استكمال المشروع  الذي قارب على الانتهاء.

وذات ليلة حاول أن يلتقط مشاهد من واقعه المعاش دون تزييف، أو رتوش.. الليلة فقط التقط آخر سيلفي وذهب إلى أقرب ستوديو خاص وطلب منهم استعراض الصور على الشاشة وجلس وحيدا في القاعة يشاهد فصول حياته وفتح مذكرة الهاتف استعدادا لتدوين الملاحظات وبحياد  تام فلا أحد سيشاهد هذا الفيلم غيره.

وبعيد أكثر من ساعة من المشاهدة وجد نفسه يكتب في الملاحظات كلمة واحدة مكونة من ثلاثة حروف:  (ملل).

وقال في نفسه: كم هي حياة روتينية وكم هي ممِّلة.. لا إنجاز تحقق على يدي، وجميع أفعالي املاءات وأوامر من الآخرين لا كما أنا اريد..  توقف لحظات عند كلمة "أريد" وسأل نفسه: لكن ماذا أريد أنا..  لم أفكر يوما فيما أريده من حياتي.

فبدا الأمر منه كمحاولة  لسبر أغوار الحقيقة ومراجهة ذاته  من أجل  إعادة ترتيب أولوياته وحياته التي لم يرها سوى دقائق وثوانٍ تنطلق  بسرعة الصاروخ إلى فضاءات  لا شيء  ولا معنى.

سيلفي واحدة تبين لنا  كم من الأفكار والميول والاهتمامات إن نظرنا إليها  بعين القلب؛  حتى الصور التي تحمل بعضا من الرتوش فهي تبين كم نحن زائفون غير واثقين مما نحن عليه وإن الرضا والقناعة بعيدة عن  سمائنا.

من المفيد حقًا أن نلتقط "السيلفي" لذواتنا من باب تقييم مسار حياتنا  ومن منظور مرئي كعين ثالثة تقيِّم ما آلت إليه الأمور  فنحن بحاجة إلى "سيلفي"  بين حين وآخر كلما بعثرتنا الحياة ووقعنا في بئر ليسأل كل واحد منا نفسه هذا السؤال: "أين أنا؟!"

وهناك مئات من صور السيلفي في كل مكان  ومئات من حالة اللاخصوصية ننثرها في الفضاء الافتراضي متنافسين في  تقديم  لحظاتنا الخاصة للعوام غير عابئين بلصوص الأفكار والمعلومات الذين استرخوا مع تفشي وباء السيلفي.

فضلا عن انتشار الجراثيم، والفيروسات، وانتقال عدوى الاقتراب والتلاصق بالآخرين والإضاءة الزرقاء التي تنتقل مع كل صورة سيلفي يوميًا بشكل متكرر، وصولا إلى الشعور بالاكتئاب والنرجسية والانعزالية انتهاءً بالإدمان على هذه الظاهرة وكلها تبعات اجتاحت خصوصياتنا بلا استئذان.

وهناك جانب مظلم آخر للسيلفي يتمثل في قدرته على تسهيل الجرائم والسرقات والقتل والاختطاف  بما توفره من معلومات عن الأشخاص المنشورة صورهم على صفحات المواقع والجروبات، ناهيك عن حوادث الطرق   التي أودت بحياة الكثيرين من المدمنين بجانب خطورة أخرى للسيلفي وهي تأثيراته على الصحة العامة  بنقل الامراض نتيجة الاقتراب  من الاشخاص او الحيوانات او الامكان الخطرة  والتسبب بالتجاعيد والبقع على البشرة.

لقد انتشرت ثقافة السيلفي في المجتمعات العربية خصوصا مع توفر عصا السيلفي  التي أتاح التصوير بشكل أفضل وبتفاصيل أكثر  إلا أنَّ هذه الظاهرة صاحبتها مشكلات اجتماعية  ونفسية أخرى  فقد ربط بعض علماء النفس بين حالات الاكتئاب وعدم الرضا عن النفس بالصور الملتقطة التي تبين العيوب الجسدية وخاصةً تفاصيل الوجه،  ورصد الأطباء النفساويون تشخيصا لحالة مرضية متعلقة بصور كاميرا الهواتف النقَّال أطلقوا عليها: "سلفيست"  وهي تتكوّن لدى مستخدمي الهواتف الذكيّة على ثلاث مستويات..

المستوى الأول  الخفيف  ويكون عادةً بالتقاط ثلاث صور سيلفي يوميًا ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، و المستوى الثاني وهو الحاد ويكون بالتقاط أكثر من ثلاث صور يوميا ونشرها أيضا في العديد من المواقع ومجموعات الواتس آب وسناب شات وانستقرام، أما المستوى الثالث والخطير فهو بالتقاط ست صور يوميا إلى أعلى،  والغريب في الأمر أن الذكور هم أكثر ميلا من الإناث في التقاط صور السيلفي  في العالم العربي وهم أكثر الفئات تضررا من هذه العادة.

وفي الأخير أتساءل: لماذا لا نتخذ من "السيلفي"  عينًا ثالثة نطل مها على حياتنا  فيكون ذلك استثمارا إيجابيا بعيدا ودعوة لتطوير الذات وليس حالة مرضية اسمها: "سلفيست"

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 5983 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.