الإثنين , 29 أبريل 2024

مرفت العريمي تكتب: كن كما أنت!

= 1678

Mervat Oraimy 2

 

كانت تسعى وتبحث عن الكمال والمثالية  ولا تتوقف يوما عن مساعيها  حتى أصبحت  مختلفة تماما عن كل من حولها هذا الاختلاف جعلها تفقد القدرة على التواصل ومواكبة  الزمن والتكيف مع  متغيرات المجتمع  لأنها عملت جاهدة أن تكون مثالية  في كل شيء ومتفوقه ومتميزة..وهذا أبعدها عن الواقع والواقعية  فأصبحت في عالم لا يقطنه سوى أمثالها ممن سكنوا في أبراج الباحثين عن الكمال .. أرهقها الأمر  وتأخرت عن تحقيق أهدافها لأنها  كانت  تقضي أوقاتا أطول في إعداد الأشياء بمثالية لا يلحظها إلا غيرها ولا تعرف مقدار الألم والإرهاق الذي تعانيه من أقرب المقربين فثمن الكمال غال  دفعته من صحتها ووقتها وعلى حساب اسرتها.

حتى جاء من يخبرها بكل حنان وصدق "اهدئي  إنك غير ملزمة أن تكوني مثالية  كوني كما أنت فأنت أجمل بما تملكينه من تناقضات وغموض آخاذ وتذكري أننا لسنا مطالبين بأن نكون "مثاليين" ، لا بد من سبب لكوننا لم نخلق كاملين وإن حاولنا أن نبلغ الكمال نعجز  حتى عندما حاول المهتمون بمسألة الجمال بوضع المعايير الجمالية المثالية في صورة إنسان واحد لم تكن الصورة جذابة بل كانت أقل من العادية هذا يبين أن الكمال بحد ذاته لا يحقق شيئا أم غير الكمال هو ما يحقق لنا  التميز والتفرد كالشامة السوداء في الوجه سوادها يجذب الانتباه.

يقول فولتير"لاتدع  الطموح إلى المثالية يقف حائلا دون نجاحك"، الأمر صحيح  فالركض وراء الكمال والمثالية مضيعة للمال والوقت  والصحة،  هذا ما أثبتته الأحداث وخلاصة تجارب الباحثين والأطباء النفسيين في المجتمعات الحديثة ، فقد أصبح البحث عن الكمال غاية  والأداء المتفوق جدا  هدف بحد ذاته  في المنزل والعمل و المدرسة والعلاقات وتم ربط  مفهوم الكمال بجودة الأداء والعمل حتى انتشرت المسابقات والمنتجات  التي تروج للفكرة  وتدور حول ضرورة السعي إلى الكمال والمثالية لقد أصبح القلق والاكتئاب والإحباط  رفقاء للإنسان العصري لأنه يرى نفسه ناقصا أمام منظومة تدعو إلى الكمال.

وفي  السنوات الأخيرة خاصةً في المجتمعات المتقدمة ظهرت حملات عديدة  وقد لاقت نجاحا باهرا تدعو فيه الإنسان أن يقبل نفسه كما هي بعيوبها الشكلية والجسدية  فليس مهما أن تكون بدينا أو نحيفا أو محدود الذكاء والجمال..المهم أن تكون  محبا لما أنت عليه من فكر وشكل ومظهر.

يقول  فرانسوا جول  في كتابه عن  بعنوان  "تعلم ألا تكون كاملا"، إن الإنسان الباحث عن الكمال لا يستفيد من النجاح لأنه  يكون دائما غير راضٍ عما يحققه  فبمجرد بلوغه الهدف يسعى إلى هدف آخر  ولا يستمتع بما حققه من نتائج في الهدف السابق كما إن  العيش في العالم المثالي يدفع الإنسان ان يتنكر الألم والحقائق الواقعية  بالتالي لا يعتبر الألم  والأحداث المؤلمة جزءا طبيعيا من الحياة وهذا يسبب له الإحباط  وأحيانا الاكتئاب.

 فالأمر لا يتعلق برفض العيوب  وإظهار النفس بالمثالية والكمال بل يتعلق بالقبول  بالوقائع والعيوب والتعامل مع الأمر بإيجابية  وقبول النتيجة كما هي والسعي إلى تحقيق نتيجة أفضل في المرات القادمة.

إن الكثير من المشكلات التي نوجهها ما هي إلا إفرازات الركض وراء الكمال  والنظر إلى الحياة من زاوية واحدة  فالزوجة المثالية تفشل في إسعاد نفسها ومن حولها لسعيها الدؤوب إلى تحقيق الكمال في المنزل ولا يستطيع أفراد الأسرة التعبير عن  أخطائهم خوفا  من العتاب، الطالب المتفوق قد يصل به الأمر إلى أن يكره الدراسة إن شعر أنه محروم من أن يمارس حياته بشقاوة وبراءة لأنه مطالب بالمذاكرة المستمرة حتى في أوقات اللعب.

الموظف المثالي يفقد عنصر التواصل مع أقرانه وزملائه لأنه يبحث عن إتمام العمل بمثالية عالية فيخشى الخطأ وقد يقوده ذلك إلى  أن تهرب الفرص من أمامه أو قد لا يراها لأنها ليست كما يتصورها هو.

حتى في علاقات الحب والصداقة أحيانا نبحث عن شريك أو صديق كما نتصوره نحن لا يخطىء أو يغضب أو يمارس حياته بعفوية متناسين أن أكثر من يجذبنا إلى  الطرف الآخر ليس لأنه يشبهنا بل لأنه يكمل ما فينا من نقص .
————–

* مرفت بنت عبد العزيز العريمي، كاتبة عمانية.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 7338 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.