الخميس , 16 مايو 2024

الشاعرة السورية ملداء نصره: كثير ممن نسميهم مثقفين تورطوا فكريا فى نزيف البلدان العربية

= 1185

 

حوار: مجدي الشاذلي

        
هي شاعرة وكاتبة سورية، ارتحلت إلى إحدى دول الخليج العربي بحثا عن "وطن مؤقت" يضمها بين جناحيه في مرحلة ضنت فيها الأوطان على أبنائها، ملداء نصره إبنة الثلاثين ربيعا..تحمل وجه طفلة في العاشرة من عمرها..بينما ينضح قلمها بهموم وشجون وأنين يفوق كثيرا سنوات عمرها..رغم كل عوارض الغدر والخيانة التي أصابت الإنسان العربي في مقتل، مازالت ترى أن الحب هو سبيلنا الوحيد إلى الخلاص..وتحلم بأن تعود رائحة الياسمين لدمشق لتحل مكان رائحة الدمار والدماء..وعندما يتملكها الخوف من أن يضعها القدر مكان من عانوا من ويلات القتل والحرب والتفجير..تلوذ بقلمها وعلى قصاصة ورق تفضفض قليلا عن روحها..فالكتابة هي متنفسها الوحيد.

مجلة "حياتي اليوم" التقت الكاتبة والشاعرة السورية ملداء نصره..وأجرت معها الحوار التالي:

 

درست الاعلام..وعملت مساعدة مخرج..صحفية..وشاعرة..أين تفتحت زهورك الابداعية أكثر؟


لا أستطيع أن أفرق بين هذه المجالات الثلاث فكل واحد منها له مكانة هامة عندي، وهي معاً تشكل تكويني النفسي وما أحب أن أكون عليه. فالكتابة الأدبية هي أكثر من مجرد هواية، لقد رافقتني من عمر العاشرة.. إنها تمثل شخصيتي وبها أعبر عن مشاعري و أفكاري في البوح من خلال القصائد والخواطر والنثر . أما الصحافة فهي وليدة اهتماماتي وتطلعاتي كإنسانة تعيش في محيط يعج بالأحداث الساخنة التي تؤثر بحياتنا بالمجمل ومن خلالها ربما أستطيع أن أساهم بإحداث تغيير ما من خلال معالجة قضايا المجتمع كالفساد و الجهل، وبها أيضاً قد أتمكن من إلقاء الضوء على بعض الصور الجميلة وسط كل هذا القبح الذي نعيشه . أما الإخراج فهو المجال الذي أتمنى أن أبرع به بشكل أكبر ففيه تجتمع كل أحلامي و طموحاتي و أفكاري، و أعتقد أنه المجال الذي يمكنني من خلاله أن أجمع الشعر والصحافة معاً وأقول كل ما أريده دفعة واحدة ، فمن المثير أن أستطيع ذكر فكرة أو قضية تستفزني صحافياً  بلغة الإخراج من خلال مشهد. ولدي من الحماس والشغف ما يدفعني للمضي قدماً في هذا الطريق الذي بدأته كمساعدة مخرج في ثلاثة مسلسلات وفيلم سينمائي وسأسعى لأن أمتلك كل الأدوات اللازمة ليصبح لي بصمتي الخاصة و المؤثرة.

كتاباتك تكشف انك امرأة تؤمنين بالحب، فكيف تنظرين للحب في عصر الثورات الخادعة والخيانات الكبرى؟


عندما نرى الخيانة أمام أعيننا و عندما تباع أوطاننا و تشترى بأيدي أبنائها و عندما يقتل الأخ أخاه و عندما نكره بعضنا البعض و نتجرد من أخلاقنا، وعندما تصبح لغة الطوائف هي اللغة السائدة فيما بيننا ، عندها من الطبيعي جداً أن يفقد البعض إيمانه بالحب . و لكنني شخصيا و رغم كل ذلك لا أستطيع إلا أن أؤمن بالحب فهو سبيلنا الوحيد إلى الخلاص وهو أملنا لاستعادة الثقة بين بعضنا البعض وهو الذي سيمكننا من إعادة بناء أوطاننا.

إحساس قاتل

انت كاتبة وشاعرة سورية تقيمين في سلطنة عمان..وفي ظل ظرف سياسي قاس جدا يمر به وطنك..فما وجه التأثير على تجربتك الشعرية والشعورية في الغربة؟


ماذا أقول.. ليس هناك أصعب من أن ترى بلدك جريحا ينزف وأنت بعيد عنه .. أعيش في قلق و ترقب دائمين، أشاهد الصورة من بعيد.. أتابع قصص الخيانات والصمود والتضحيات .. أشاهد المآسي وأتأثر بها ..تنتابني حالة دائمة من القلق والترقب وأتابع الأخبار بشكل أقرب للهوس وأسرع للإتصال بالأهل والأصدقاء عند كل تطور خطير أو خبر مؤلم.. أبكي مع أناس لم ألتقهم يوماً و لكن تجمعني بهم محبة تلك الأرض وترابها وتؤلمني كل تلك الدماء التي تراق..  هذا الوضع بالمجمل أثر علي كثيراً فباتت أغلب كتاباتي تتشح بالسوداوية و اليأس والحزن , ورغم أنني أحاول أحياناً إضفاء لمسات من الأمل والفرح على الحروف إلا أنّ إحساساً قاتلاً يباغتني بأنني أوحي للآخرين بما ليس بي.

كثيرون ممن نسميهم مثقفين

تورطوا فكريا فى نزيف البلدان العربية

هل يمكن أن تلعب الثقافة دورا ما في وقف نزيف الدماء في بلادنا العربية؟ وهل كان لها دور في سيلانه من الأساس؟


طبعاً إن الثقافة هي العامل المؤثر و الأساسي  في كل هذه الأزمات التي تعيشها بلداننا . أرى أنها السبب و هي العلاج ..فما حدث جعلنا عراة و كشف عيوبنا التي تربينا عليها و سلط الضوء على ثغرات كبيرة في المفاهيم التي نشأنا عليها.. لم نتعلم تقبل الآخر ولا احترامه، كنا ندّعي التسامح فظهرنا على حقيقتنا ..غُسلت أدمغة شبابنا بسهولة فائقة وأصبحوا وقوداً لمعارك هم الخاسر الأول فيها. وكما كان شح الثقافة سبباً في نزيف بلداننا فإنني متأكدة أنها يمكن أن تلعب دوراً في تضميد الجراح .. لننجح علينا أن نغير خطابنا الإعلامي بالكامل ونسمح للأصوات المعتدلة بالظهور..  علينا  ربما أن نبدأ من أطفالنا  وتحديداً من خلال تغيير المناهج الدراسية وتأسيس جيل جديد متصالح مع نفسه ومحب و يتقبل الآخر المختلف عنه.. عندها فقط سنبني جيلاً مثقفاً واعياً يفكر جيداً قبل أن يصبح حطباً لأي معركة.      
                                               
ومن وجهة نظري هناك نقطة مهمة جداً بتعريف الثقافة ، يجب ألا تخدعنا كلمة مثقف من خلال قراءة عدة كتب سياسية أو فنية أو علمية  ومن خلال التنظير بالآراء والتحليل لشئون الساعة ,, الثقافة هي حالة وعي مكثف تغذى على الإطلاع الواسع والعقل المنفتح ومدى القابلية على التطوير والتغيير , فكثير ممن نسميهم مثقفين تورطوا فكرياً أو عملياً بنزيف البلدان العربية حيث لاح بقوة تعصبهم وتطرفهم العقائدي ، وإلا لكان هنالك وعي ثقافي بخطورة ما نمر به وانحطاطه ومحاولة تحطيمه ودفنه من خلال ثقافة التسامح والقبول للآخر ورفض أية حركة تؤدي لقتل كائن حي أو تدمير شعوب و اقتصاد.

مثلث الجاذبية

برأيك..ما هي عوامل الجاذبية بين الرجل والمرأة في زماننا هذا..هل من خلال الجنس, أم السلطة, أم المال..أم غير ذلك؟


هذا الثالوث يحرك البشر منذ الأزل، وفي يومنا هذا هناك من يجذبه المال وهناك من تجذبه السلطة والقوة ، والبعض تجذبهم المظاهر الخارجية ويحركه الجنس.  ولكنني أعتقد أننا بتنا نعيش في زمن مادي بامتياز أصبحت السطوة فيه للمادة والسلطة قبل أي اعتبار آخر.. وتبقى بعض الاستثناءات التي تؤمن بالحب أولاً كمدار أحاسيس لكل الأحلام والتطلعات والسعادة بغض النظر عن العيوب أو المصالح والماديات .

هل تشعرين بالخوف أحيانا..وما أسبابه..وكيف السبيل لإزاحة كل هذه الهموم التي تثقل على قلوبنا؟


أشعر بخوف كبير من الفقدان.. أن أفقد مكان أو شخص أو عمل أو حلم . وأشعر بخوف شديد بسبب الأوضاع الحالية التي تعاني منها سورية، أخاف أن يضعني القدر مكان من عانوا من ويلات التفجير و القتل والحرب .. لست مقتنعة بأن الأمل و النظر بتفاؤل قادران على إزالة مخاوفي لأننا بحاجة إلى خطوات عملية لتبديد طاقة الكره لسائدة مشاعر الكره والتعصب ونشر اللحمة والتماسك بين أبناء الشعب الواحد .. علينا أن نبدأ بخطوات شجاعة وعملية لتجاوز همومنا والتخلص من المحن التي ألمت بنا.. بالنسبة لي عندما تنتابني كل تلك المخاوف ألجأ إلى قلمي وعلى قصاصة ورق أفضفض قليلا عن روحي فالكتابة هي متنفسي الوحيد .

فعل الكتابة قد يكون مبعثا للشعور بالسكينة ويملأ النفس طمأنينة..ولكن أي كتابة هذه التي تقودك لتلك المنطقة الهادئة والمحايدة؟


الكتابة بشكل عام فعل يستهويني و يخفف عن نفسي و لها ألجأ كلما أحسست بأنني أحتاج إلى السكينة والهدوء . فالشعر طبعاً وسيلتي الدائمة للتخفيف عن نفسي فهو حاضر في كل الأوقات. أما كتابة السيناريو الدرامي و السينمائي فهي بمثابة متنفس أسكب فيه ما يعتمر نفسي من مشاعر و أفكار و ما أستوحيه من تجارب الآخرين. وألجأ لهذا النوع من الكتابة كثيرا و لدي مسودات و قصاصات أطمح لتحويلها إلى مشاريع عملية ناجحة .

مظاهر ومصالح ونفاق

هل تعنى المرأة الشاعرة بالبحث عن المظاهر كغيرها من النساء؟


الشاعرة بالنهاية إنسان وهذا الإنسان ليس مثالي دائماً ، ولكن الشاعرة غالباً تكون متلبسة برومانسيتها فترى كل الأمور من منطلق عاطفي وردي ، ولكنها أحياناً بسبب سرياليتها تنجذب للمظاهر  وقد يكون هذا الانجذاب خداع مظاهر تأثرت بها شاعريتها  

أيهما أكثر أهمية..أن تؤثر كلماتك في حياة انسان..أو أن يصفق لك هذا الانسان ثم يذهب راحلا؟


التصفيق حالة وليدة لمهرجان المظاهر و المصالح والنفاق، وهو قد يمنحني سعادة لحظية ولكنه قد لا يكون حقيقيا لذلك أنفر من التصفيق و أفضل أن تؤثر كلماتي بالأشخاص سواء فكريا أو عاطفيا أو ثقافيا.

أخيرا..اكتبي رسالتك للانسانية في العام الجديد؟


أقول أنه لا يمكننا أن نبني ديمقراطيات على أشلاء أوطان، و بالكراهية لن تعمّر بلداننا .. علينا البحث عن الإنسان الموجود في داخلنا ، أن نجعل الحب بوصلتنا لنتمكن من رسم الابتسامة على شفاه أطفالنا مجدداً ، أن نؤمن بأن ثقافة التسامح و تقبل الآخر هي طريقنا نحو تحقيق السلام والأمان في كل بلداننا ..  أتمنى أن تعود رائحة الياسمين لدمشق وتحل مكان رائحة الدمار والدماء ، و أن يعم السلام كل بلداننا العربية.

شاهد أيضاً

قصر الدوبارة… وعلاقته بالشئون السياسية في مصر

عدد المشاهدات = 3853 بقلم الكاتبة/ هبة محمد الأفندي المنشأ: يعود قصر الدوبارة للأميرة أمينة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.