الأحد , 28 أبريل 2024

مرفت العريمي تكتب: أحلام بلا سقوف

= 1736

Mervat Oraimy 2

 

هل طاردت حلما  بسرعة الطائر الذي يطارد فريسته وفجأة ترتطم بقوة وتتناثر في كل مكان ..ولا يتبقى سوى أماني مبعثرة أمام واقع مغاير وأنت تترنح مشدوها بين أذيال الحقيقة  محاولا فهم ما حدث وما سيحدث   فتكتشف أنك كنت تطارد  وهم نسجه خيالك  

كلنا يطارد الأفكار السعيدة والأحلام التي نعتقد أنها تحقق لنا السعادة  ولكن لا نصل إلى جميعها إمَّا لأسباب قدرية، او لإسرافنا في الحلم حتى نتخطى حدود التوقع  إلى اللامتوقع.

إن  الافكار هي من تحدد نظرة الإنسان  الى نفسه والاخرين و الحياة   ويميل البعض إلى زيادة مستوى طموحه في الحياة  دون أن يبذل جهودًا تتناسب مع ذلك الطموح، أو أن ينسج طموحه  على أفكار خيالية بعيدة عن الواقعية وينتهي به الأمر بتوقعات بلا إنجاز.

 وكلما زادت توقعات الانسان ، زاد مستوى طموحه وبالتالي تضاعف جهده لتحقيق مكانة فى الحياة تتناسب مع التوقعات التي افترضها ، بينما يضع البعض  الاخر افتراضات كثيره، دون بذل الجهد الكافي لتحويلها الى واقع  وبعد فتره يجد نفسه محاطا  بالكثير من التوقعات والقليل من الانجازات.

تؤثر شخصية الفرد وثقافته ومستواه الفكري  في صياغة التوقعات  كما يؤثر  مستوى عطائه في تحديد سقف التوقعات

هناك نوعان من التوقعات؛ توقعات إيجابية، والأخرى سلبية؛ فالأولى من باب التفاؤل والطموح، وأمَّا الآخر فهو من باب التشاؤوم والخوف  وكلاهما يؤثر في حياتنا  فما وصلنا إليه الآن نتاج لأفكارنا  وتوقعاتنا في الماضي  وما نفكر فيه اليوم سيكون عليه مستقبلنا.

للتوقعات اهمية  كبرى في  بلوغ الطموح وتحقيق الأهداف فهي تمثل الوقود الذي يدفع الشخص إلى مواصلة المسير إلا ان خطورتها تكمن في تجاوزها حد المعقول بارتفاع سقفها باستمرار دون إدراك منا كأن ترفع سقف التوقع و تعوّل على شخص،  أو موضوع (ما) أكثر من اللازم بحيث تتخطى  المعقول فتصاب بخيبة أمل  تحطم أمالك ..

فقد اعتاد البعض منا ان يكون سخيا في مشاعر الاهتمام والحب ويمنح الكثير من وقته وبسخاء لكل من حوله  وعندما نكون في أمس الحاجة الى عطاء الآخرين ممن منحناهم الكثير والكثير  نتفاجأ أنهم غير مستعدين لعطائنا من اهتمامهم ووقتهم مايكفي لسد حاجتنا  في هذه اللحظة الحاسمة قد ينتابنا شعور بالندم والسذاجة والغضب والضعف  وندخل في دوامة اللوم لأنفسنا والندم على ما كل ما قدمناه للآخرين لأننا توقعنا أن الآخرين لديهم المشاعر نفسها، والأفكار تجاهنا ومستعدين لتقديم ما قدمناه لهم دون  طلب منا وتكمن المشكلة في مسألة المقارنة المستمرة بين ما أقدمه وما يقدمونه  وما أفعله وما يفعلونه  فيصبح الخيال أملا  والأمل  توقع مأمول  غالبا ما يتحول إلى قلق مستمر .

لقد أصبحت ثقافة التوقع جزءًا لا يتجزء من القوالب الذهنية التي تملأ عقولنا  حول الأفراد والأشياء والبلدان  فمثلا نتوقع أن كل إنسان يأتي من الغرب  حتما عبقريا  و(سوبر) في كل شيء  ونتوقع أن المرأة الجميلة حتما  مغرورة  و الإنسان الذكي هو من  يرتدي نظارة طبية  ومن يكون حلو  اللسان  فهو  حتما إنسان خلوق  … قوالب كثيرة ننسج عليها توقعتنا ونبني عليها أحلامنا، إلا أن تحجيم سقف التوقعات مسألة في غاية الأهمية من أجل الحفاظ على الروابط الاجتماعية وتفادي الصدمات  لذلك من المهم أن نقترب من الآخر في علاقاتنا ونحاول أن نحتوي فكره ونستوعب شخصيته  لأن فهم الطرف الآخر فهما جيدا  يجعلنا نتجاوز تفسير  تصرفات الآخر على نحو مغاير لحقيقته فعلى سبيل المثال لا الحصر الزوجه التي تغضب من  قضاء وزجها ساعات طوال يشاهد مباريات  رياضية ويتحول الغضب إلى إحساس بالتجاهل والإهمال لأنه لم يشعر بوجودها أثناء المشاهده قد لا تدرك أن طبيعة عقل الرجل التركيز في شيء واحد في كل مرة   عكس المراه التي تسطيع ان تقوم بأكثر من شيء في  الوقت نفسه ، هذه المعلومة البسيطة قد تكون سببا لتحطم الكثير من الآمال لأن التوقع تجاوز حاجز الطبيعة ،الذي يؤكد أن الرجل والمراة كقطعتي احجية مختلفان لكن يكملان بعضهما.

وليس معنى تحطم بعض التوقعات ان نيأس او أن نندم على ما عملناه  او حلمناه بل علينا الاستمرار في الحلم  وطرق أبواب  الطموح والرضا بالمكتوب دون أن نتوقع أشياء بعينها ننسجها في خيالنا  فالبكاء على الأحلام المتحطمة لا يقودنا إلا إلى المزيد من الأسى والحزن وضياع الأحلام الممكنة.

فالتوقع يجب أن يكون بحدود الموجود من المعطيات فعلى سبيل المثال لا الحصر أن لا تتوقع كلمة شكر أو ترحيب أو تشجيع من شخص تدرك انه يكن لك مشاعر الندية والتنافس ، او ان نتوقع ان الانسان المحروم من العلم  ان يمتلك نفس قدرات الانسان المتعلم .

 ان اللحظات السعيدة لا تاتي الا بالتوقعات الصغيرة فكلما كانت توقعاتنا صغيرة  أصبحت سعادتنا كبيرة  وأبسط الأمور ستكون كفيلة بسعادتنا حتى لو كانت مجرد ابتسامة رضا او ورده   ، لان موت  كل حلم  لم يتحقق يؤذن بميلاد آخر وظهور  فرصة جديدة  كتب لها الوجود  والعكس صحيح فالتوقعات الكبيرة التي أودت إلى تحطم أحلامنا ستجعلنا أكثر حزنا ان  دخلنا في دوامة  لماذا حدث ذلك  وبالتالي لن نسعد  بما تحقق حتى لو كان مقبولا فالاحساس بالرضا  ينتابنا  عندما نقدم  بكل حب اقصى ما يمكننا فعله ونذهب دون ان نتوقع ما سيحدث.

————-                   
 
* مديرة مركز الدراسات والبحوث – مسقط.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 5947 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.