الأحد , 5 مايو 2024

مرفت العريميّة تكتب: وجه أمي..!

= 1379

Mervat Oraimy 2


كلما أنظر إليها أرى حنانًا لا يمكن وصفه بالكلمات، إنها أجمل نعمة خلقت للكائنات وليس للبشر فحسب.. كوكتيل  دافئ ومتناغم من المشاعر الجميلة تمتلكه الأم وهي تسقي أبناءها جرعات لا محدودة من الحنان والحب والإرادة والطموح والقوة والهدوء.. سلوك غريزي متدفق باستمرار فطرها بها الله تعالى، تقول الدراسات العلمية الحديثة إن عاطفة الأمومة لها الدور الأساس في تشكيل شخصية الإنسان من سني الولادة الأولى حتى المراهقة والسبب في تمتع الإنسان بحياة مستقرة عند الكِبَر ، فعاطفة الأمومة تمثل علامة فارقة في حياة الإنسان والإنسانية.

كانت “فكرة” للكاتب مصطفى أمين وراء تخصيص يوم لتذكر دور الأم وتضحياتها المستمرة والقصة من وراء ذلك حكاية لأم تفانت لأجل سعادة أبنائها وضحت من أجلهم الكثير، لكنهم قابلوها بالجحود والنكران هذه القصة ألهمت الكاتب بكتابة عمود صحفي حول أهمية الاحتفال بيوم الأم أو ما يطلق عليه "عيد الأم" وفعلا منذ ما يقارب ستة عقود تم تخصيص يوم ٢١ من مارس من كل عام يوما للاحتفال بـ(عيد الأم) في مصر وبعد عقد تقريبا أصبح عيدا يحتفل به في الوطن العربي.

أمهات عظيمات كن سر تفوق أبنائهن، فسر من وراء الدرر العلمية والأدبية للجاحظ هي والدته الذي عاش في فقرٍ، ويُتْمٍ في كنف والدته الفقيرة التي اهتمت بتعليمه القراءة والكتابة وإرساله إلى حلقات العلم بالمساجد واعتنت هي بتوفير قوت يومهم ببيع الخبز والسمك في السوق.. ولشدة حبه وشغفه بالعلم قدمت له والدته يوما طبقًا مملوءً بالكراسات بدلا عن الطعام وقالت له: "خذ هذا طعامك اليوم".

 الأم كانت مصدر إلهام لتوماس اديسون فهي السبب وراء العمل على فكرة المصباح الكهربائي، عندما تعذَّر على الطبيب إجراء عملية جراحية لوالدته ليلا لعدم وجود إضاءة كافية يقول اديسون: “إن أمي هي من صنعتني، لأنها احترمتني ووثقت بي، أشعرتني أننى أهم إنسان في الوجود، فأصبح وجودي ضروريا من أجلها وعاهدت نفسي أن لا أخذلها كما لم تخذلني قط".

 دفء الأم يشكل درعا واقيا من الأمراض الصحية ويقوي من مناعة الطفل ويساعد عناقها على شفاء أطفالها من الأمراض، ويعتقد بأن الحرمان يؤثر سلباً على جهاز المناعة للطفل ففي حليب الأم ما يقارب 700 بكتريا مفيدة تعزز من مناعة الطفل وتحميه من الأمراض وفقا للأبحاث العلمية .

كما إنّ غياب الأم أو قلة حنانها يتسببان في عدم استقرار شخصية الطفل وقد يتسبب في إصابته بعقد نفساويّة كشعوره بالعجز والضعف و الحقد والكراهية تجاه الآخرين ومهما تكن الظروف التي قد ينشأ فيها الطفل فإن حنان الأم هو العاطفة الأهم في حياة الإنسان؛ سواء أكانت أمه البيولوجية، أو أمه التي تعاهدته بالرعاية وأحسنت تربيته.

لقد طالعتنا الصحف قبل أيام عن قصة البيت الفريد لامرأة فريدة من نوعها رأت في معاناتها فرصة وجدت نفسها لقيطة وحيدة فقررت أن تكون رسالتها في هذه الحياة منح الفتيات اللاتي تخلى عنهن ذويهن الرعاية المتميزة فوهبت وقتها ومنزلها لعناية الفتيات وإعطائهن الحب والحنان وتسليحهن بالعلم في أفضل المدارس والجامعات ليغدون نساءً قويات، تقول براكاش: "أملي الوحيد أن أجعل هؤلاء الفتيات مؤهلات جيدًا بحيث يتمكَّن من العيش بالمجتمع وهن معتدات بأنفسهن".

إنَّ حرمان براكاش من عاطفة أمها البيولوجية لم يلغِ غريزة الأمومة لديها بل عزز منها وقادها إلى تبني فكرة إنسانية غيرت من حياة الأخريات وأعدَّت أمهات صالحات .

يقودنا هذا إلى الإيجاز اللطيف والمكثف لمعنى الأم عند الشاعر والفيلسوف جبران خليل جبران الذي نشأ في كنف أم قوية الشخصية ومستقلة حيث وصف الأم بدلالة عظيمة حين قال "وجه أمي وجه أمتي" فوجه الأم يعبر عن شخصية الأبناء وما يتحلون به من صفات وأخلاق التي اكتسبوها منها ووجه الأبناء يعكس ما هو عليه المجتمع من مبادئ وقيم و قدرات وإمكانيات التي تأتي نتيجة عطاء الأبناء في خدمة أي مجتمع  .

الأم هي الكائن الوحيد الذي تعطي بلا مقابل وتضحي بالغالي والثمين من أجل سعادة الآخرين ويظل نورها  يضيء حياتنا  ويعزز منا ويمنحنا الكثير من الهدوء والطمأنينة؛ إنها تستحق منا كل الحب والرعاية.
—————
* مرفت بنت عبد العزيز العريميّة، كاتبة ومدير مركز الدراسات بصحيفة عُمان.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 11702 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.